موقف الصين من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الإثنين 24 مايو 2021 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Asia Times مقالا للكاتب ديل ألوف، أورد فيه رد فعل الصين من الصراع الأخير بين إسرائيل والشعب الفلسطينى، وذكر سبب اتخاذ الصين موقفا أكثر تشددا ضد إسرائيل... نعرض منه ما يلى.
فى 16 مايو الجارى، ترأس عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصينى وانغ يى، بصفته رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لهذا الشهر، مناقشة مفتوحة حول التوترات المتصاعدة بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى.
فى اليوم التالى، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان للصحافة إن «وانغ يى طرح اقتراحًا من أربع نقاط بخصوص الوضع الفلسطينى الإسرائيلى، مشيرًا إلى أن وقف إطلاق النار ووقف العنف هما الأولوية القصوى وحث جميع الأطراف، وخاصة إسرائيل، على ضبط النفس ووقف الأعمال العدائية على الفور».
اللغة المستخدمة فى البيان قد تكون دقيقة، والرسالة كانت واضحة: «خاصة إسرائيل». وأوضح وانغ أنه «على وجه الخصوص، يجب على إسرائيل ممارسة ضبط النفس، و... وضع حد للعنف والتهديدات والاستفزازات ضد المسلمين، والحفاظ على الوضع التاريخى الراهن للمعالم المقدسة فى القدس واحترامه».
وفى يوليو من العام الماضى، قال مبعوث الصين للأمم المتحدة تشانغ جون لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إن «الصين صديق مخلص للشعب الفلسطينى. يمكن للشعب الفلسطينى دائمًا الاعتماد على دعم الصين لقضيته العادلة وحقوقه الوطنية المشروعة».
ازدهرت الصداقة الإسرائيلية الصينية خلال العقد الماضى. ففى عام 1992، أقام البلدان العلاقات الرسمية لأول مرة، وبلغ حجم التجارة الثنائية 50 مليون دولار فقط.
اليوم، وصل هذا الرقم إلى ما يزيد على 11 مليار دولار. إنها ليست التجارة فقط. فالصين استثمرت المليارات فى قطاع التكنولوجيا الإسرائيلى الذى يكثر التفاخر به كما ظهرت إسرائيل كشريك مهم لمشاريع البنية التحتية فى إطار مشروع الصين العالمى للبنية التحتية الضخمة، مبادرة الحزام والطريق. أضف إلى ذلك زيارة أكثر من 150 ألف سائحة وسائح صينى إسرائيل فى عام 2019 وحده.
ومع ذلك، يبدو أن هذه الصداقة الجديدة قد فشلت فى الامتداد إلى المجال السياسى. بدليل أن الصين تصوت باستمرار ضد إسرائيل فى الأمم المتحدة. وفشلت أيضا إسرائيل فى تشجيع بكين على التوقف عن دعم إيران التى تدعم أنشطة حماس والفصائل الإسلامية الفلسطينية التى تدعو إلى تدمير إسرائيل.
علاوة على ذلك، ترفض الصين تصنيف حماس كمنظمة إرهابية ووصفتها ذات مرة بأنها «الممثل المختار للشعب الفلسطينى»، على الرغم من سيطرة حماس على غزة بالقوة بدلا من الانتخابات.
ولطالما أكد وزير الخارجية الصينى قناعة الصين الراسخة بأن «القضية الفلسطينية كانت على الدوام جوهر قضية الشرق الأوسط».
لكن ادعاء وزير الخارجية الصينى يتجاهل حقيقة أن الربيع العربى لعام 2011 كان له علاقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية الداخلية للبلدان المعنية أكثر مما كان له علاقة بالصراع الإسرائيلى الفلسطينى. كما أنه يتجاهل الحرب الباردة الطويلة بين إيران والمملكة العربية السعودية، والتى امتدت إلى الدول المجاورة.
***
تعود جذور موقف الصين تجاه النزاع الإسرائيلى الفلسطينى إلى تاريخ الصين الحديث. ففى عام 1950، كانت إسرائيل أول دولة فى الشرق الأوسط تعترف بجمهورية الصين الشعبية. ومع ذلك، لم ترد الصين بالمثل.
فى ذلك الوقت، سعى رئيس الحزب الشيوعى آنذاك ماو تسى تونغ إلى حشد الشركاء من العالم العربى والإسلامى للانضمام إلى «الجبهة المتحدة» ضد «الغرب الإمبريالى». وعليه، تعاطفت الصين مع القضية الفلسطينية وتبنت موقفًا انتقاديًا علنيًا تجاه إسرائيل.
لكن الانقسام الصينى السوفييتى وما تلاه من تطبيع للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة فى عام 1972 مهد الطريق لاتصال أولى بين إسرائيل والصين. كانت إسرائيل قد خرجت مؤخرًا من سلسلة من الحروب الوحشية مع جيرانها العرب وسعت إلى بيع بعض أنظمة الأسلحة السوفيتية التى تم الاستيلاء عليها. وكانت الصين، بترسانتها السوفييتية، زبونًا رئيسيًا. لكن أمريكا فرضت عقوبات على هذه المبيعات رغبة منها فى تحقيق التوازن بين نفوذ الاتحاد السوفييتى فى آسيا.
كما أدى سقوط الاتحاد السوفييتى إلى تغيير العلاقات بين الصين وإسرائيل بشكل جذرى، مما مهد الطريق لإقامة علاقات رسمية بعد عام واحد فقط. ففى عام 1991، ومع رحيل الراعى السوفييتى للدول العربية، أطلق الرئيس الأمريكى آنذاك جورج إتش دبليو بوش مؤتمر مدريد للسلام بين إسرائيل وجزء كبير من العالم العربى، بما فى ذلك منظمة التحرير الفلسطينية. وجدت الصين أنه ليس هناك ما يمنعها من إقامة علاقات مع إسرائيل بعد أن جلس العرب مع إسرائيل.
***
على الرغم من أن الصين قد عززت بشكل كبير علاقاتها مع إسرائيل اقتصاديًا، إلا أنها لا تزال مترددة فى تغيير موقفها السياسى تجاه إسرائيل والصراع الإسرائيلى الفلسطينى. ولدى الصين بعض الأسباب المقنعة لعدم تغيير هذا الموقف.
تدور الأسباب بشكل رئيسى حول التنافس بينها وبين الولايات المتحدة. فعلى خلفية التنافس المتجدد بينهما، استخدمت بكين الصراع لتشويه سمعة الولايات المتحدة، مما أعاق فعليًا جهود الصين والنرويج وتونس لحمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على إصدار بيان رسمى بشأن الصراع. لذلك صرح وزير الخارجية وانغ بأنه «بسبب عرقلة دولة ما، فشل مجلس الأمن حتى الآن فى إصدار صوت بالإجماع. ندعو الولايات المتحدة إلى تحمل مسئولياتها الواجبة، واتخاذ موقف عادل ودعم مجلس الأمن فى لعب دوره المسئول فى تخفيف التوترات».
فى غضون ذلك، ردت الولايات المتحدة بأنها تعتقد أن مثل هذا البيان من شأنه أن يزيد التوترات، ويعيق جهود الولايات المتحدة الدبلوماسية لتهدئة الموقف.
كما قام، فى الآونة الأخيرة، مقدم برنامج فى شبكة CGTN الصينية التى تديرها الدولة بترويج العديد من نظريات المؤامرة المعادية للسامية فى 18 مايو الجارى أثناء مناقشة دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.
وقال المقدم إن «جماعات الضغط القوية» لليهود فى الولايات المتحدة هى المسئولة عن التأثير على موقف واشنطن وتشكيله بشأن أزمة الشرق الأوسط وأن «اليهود يهيمنون على قطاعات المال والإعلام والإنترنت (فى الولايات المتحدة)».
ردت السفارة الإسرائيلية فى سلسلة من التغريدات بأن إسرائيل «مفزوعة لرؤية معاداة السامية الصارخة التى يتم التعبير عنها فى وسيلة إعلامية صينية رسمية».
لكن على أى حال، التعليقات المعادية للسامية هى إلى حد ما غير معهودة من جانب الصين. وعلى الرغم من أن الصين لم تواجه مشكلة فى إلقاء إسرائيل تحت الحافلة لتحقيق أجندتها السياسية، إلا أنها أظهرت تقليديًا درجة عالية من محبة السامية. حيث استقبلت 20 ألف يهودى فروا من ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية كما أنشأت العديد من المتاحف والمراكز الثقافية اليهودية.
كذلك يعتبر العديد من الصينيين والصينيات اليهود مثاليين لذكائهم فى مجال الأعمال وتاريخ التغلب على الشدائد والعديد من الإنجازات العلمية والتكنولوجية، وهذا يتضح من كمية جوائز نوبل الممنوحة لليهود على مر السنين.
باختصار، التعليقات المعادية للسامية الصادرة عن الصين تتعلق على الأرجح بتشويه سمعة الولايات المتحدة أكثر من إسرائيل. ربما تكون وظيفتها أيضًا جذب اليسار الراديكالى لحشد الدعم لموقف الصين.
الصين دعت إلى حل سلمى للصراع فى إطار حل الدولتين. كما عملت على تصوير نفسها كوسيط فى الصراع. ولهذه الغاية، استضافت بكين ندوة لدعاة السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى ديسمبر 2017. فقبل أى شىء، يعد استقرار الشرق الأوسط أمرًا بالغ الأهمية لنجاح حملة البنية التحتية الضخمة الطموحة فى الصين. لكن بعض المحللات والمحللين يشيرون إلى أن الوجود العسكرى شبه الغائب للصين فى المنطقة سيعيق قدرتها على فرض السلام الذى تقترح إقامته بجدية.
لا يزال الوضع متوترا. فسياسة الصين فى الشرق الأوسط تعتمد منذ فترة طويلة على فكرة أن نكون أصدقاء مع الجميع، لكن الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى يكشف عن مدى صعوبة حفاظ بكين على هذه السياسة.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved