صحيفة المغرب ــ تونس: لا أستطيع أن أتنفس

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 24 مايو 2022 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى تناولت فيه المشكلة البيئية والتلوث الذى تعانى منه تونس، فالحكومة لم تضع استراتيجية لمواجهة القضايا البيئية، وتحاول التنصل من التزامها وإلقائه على المجتمع المدنى، إلى جانب غياب السياسات التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية لمعالجة أنماط السلوك المضر بالبيئة.. نعرض من المقال ما يلى.

ما دمنا نتجه نحو بناء جمهورية جديدة تبشر بمنافع وخيرات للناس، وكتابة دستور جديد يضمن كرامة التونسيين/ات ويحقق لهم العدالة والسعادة والرفاه، والعهدة على القائل، فلا بأس أن نطالب القائمين على هذا المشروع الواعد بالرد على نداء الاستغاثة الذى أطلقه الناشطون الجمعاويون فى مجال البيئة حين وجه أحدهم رسالة استغاثة من «عاصمة النفايات» مطالبا الرئيس بالتدخل الفورى. ويبدو أن الوضع «الكارثى» الذى تعيشه البلاد بصفة عامة، ومدينة صفاقس على وجه الخصوص، قد جعل هذا الناشط يكفر بمؤسسات الدولة فلا رئاسة الحكومة ولا وزارة البيئة قادرتين على استنباط الحلول، وحده «قيس سعيد» من يملك سلطة القرار والحسم. ويذكرنا هذا التوجه بالرسائل والمطالب التى كان يتقدم بها عدد من التونسيين إلى الزعيم بورقيبة، كلما سمعوا بزيارة مقررة لجهة من الجهات فهو الأب/الحامى.

«أختنق... لا أستطيع أن أتنفس» شعار رُفع ضد السلطة القمعية والشرطة فى الولايات المتحدة الأمريكية ولكنه انتقل إلى مختلف بلدان العالم ليغدو شعارا معولما معبرا عن مطالب مختلفة تتعلق بالعدالة والمساواة والحرية ومناهضة التمييز... وها هو يتحول إلى شعار يردده المواطنون فى بلادنا، كلما ضاق بهم الحال وصاروا يكابدون التلوث الهوائى والتلوث المائى والتلوث الضوضائى وتدهور التنوع البيولوجى، واستنزاف الموارد البحرية وغيرها من المشكلات.

«أختنق...لا أستطيع أن أتنفس» هى صيحة فزع ونداء استغاثة يُوجه لمن به صمم.. لحكومة اختارت الصمت وسيلة للتفاعل مع الأزمات التى لا تمثل أولوية فى نظر المشرفين/ات عليها أو التى تفضح العجز والتقصير عن معالجة الوضع بطريقة جوهرية.

لا تفصح الحكومة عن مخططها التنموى وعن الاستراتيجية المعتمدة لمواجهة قضايا البيئة؛ لأنها ببساطة لم تنجز خطة شمولية لوضع بيئى متكامل ولم تعمل على ملف توعية المواطن بأهمية الاهتمام البيئى على المستوى الرسمى والشعبى بل آثرت التنصل من المسئولية نحو البيئة ومن ضرورة حمايتها للأجيال القادمة، ولم تحاول سد الفجوة بين التشريعات والسياسات البيئية لتنظيم استغلال المصادر الطبيعية، وصيانتها وبين الواقع المعيش فلا شرطة البيئة نفعت ولا قانون منع استعمال البلاستيك (2017) ولا غيره.

ومادامت سياساتنا التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية لا تبالى بإعادة النظر فى أنماط من السلوك التى لا تنم عن الإحساس بالمسئولية تجاه البيئة، ولا تكترث بالتمحيص فى علاقة الإنسان مع بيئته كأحد أساليب التقييم لمعرفة المشكلات البيئية وتحديد المهارات اللازمة لحلها فإن التفكير فى وضع خطة استراتيجية وطنية عن البيئة غير وارد ولا يمثل رهانا حقيقيا عند واضعى الأجندة السياسية الحالية.

وعندما تتنصل الدولة من أداء واجبها وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتلقى بالمسئولية على عاتق مختلف الجمعيات التى تعمل على بث القيم الأخلاقية فى التعامل مع البيئة وتوعية الناس بتغيير سلوكهم الاستهلاكى فإن الاستنتاج الذى نخرج به هو أن الدولة باتت تساهم فى صنع الهشاشة وتحويل المواطنين إلى أفراد يعانون من هشاشات مختلفة تحول دون تحقيق فاعليتهم فى مجالات مختلفة.

ليس تلوث الهواء وحده ما يجعل المرء يشعر بالاختناق، بل توحش الأنظمة الاقتصادية ونقص إنسانية الإنسان وانعدام الشعور بالمسئولية وفقدان أخلاق الرعاية لدى أصحاب القرار. فنحن لا نستطيع التنفس حين نرى خيام اللاجئين على الأرصفة ولا أحد يكترث، ولا نستطيع التنفس حين نشاهد الجثث التى يلقى به البحر يوميا، لشبان وشابات ونساء ورجال ورضع تكدسوا فى قوارب غير مهيأة لحمل أطنان الأحلام.. ونحن نختنق حين نعاين خروج النساء مطالبات بحقهن فى الماء.. ونختنق حين تغيب المساءلة والمحاسبة ويتمأسس الإفلات من العقاب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved