الأونروا تشكل موقعا للصراع.. حالة قطاع غزة

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الثلاثاء 24 مايو 2022 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة صدى التابعة لمركز كارنيجى مقالا بتاريخ 20 مايو للكاتبة منى جبريل، تحدثت فيه عن الاستراتيجية المتعمدة لتعطيل عمل الأونروا، وأثر ذلك على حكومة حماس فى قطاع غزة... نعرض من المقال ما يلى.

مُورست فى الآونة الأخيرة ضغوط متزايدة على الأونروا لإغلاقها، وتحويل أعمالها إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين، وهى خطوة قد تؤدى إلى نزع الشرعية عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين. يتم هذا الضغط من خلال الاقتطاعات المالية المتزايدة عن الأونروا، وهى اقتطاعات تحدث بالاعتماد بشكل أساس على المطالبات المتعلقة بمصداقية الأونروا المؤسسية وبرنامجها التعليمى. لكن فى قطاع غزة، تبدو هذه الاقتطاعات المالية عن الأونروا أيضا تكتيكا، لإجبار حكومة حماس على التفاوض مع إسرائيل، وإضعاف موقفها أيضا قبل الانتخابات الفلسطينية المحتملة.

لا يمكن الاستغناء عن الأونروا فى قطاع غزة لأنها تقدم خدمات منقذة لحياة المواطنين اللاجئين والمحاصرين. لكن الموقف ذو الحدين للأونروا تَرك اللاجئين الفلسطينيين فى الوقت نفسه فى «حالة من عدم اليقين». فقد حافظ الفلسطينيون، لفترة طويلة، على عدم ثقتهم فى الأونروا التى اعتبروها تسهل إعادة توطينهم وليس إعادتهم إلى الوطن. تعنى محاولة الأونروا الحياد وولايتها المحدودة فى مجال الحماية، بحكم الأمر الواقع، عدم تسييس القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى أزمة إنسانية دائمة، كما تعنى دعم الاحتلال الإسرائيلى لقطاع غزة.
• • •
فى عام 2020، وقعت أربع دول عربية ــ الإمارات والسودان والمغرب والبحرين ــ اتفاقات سلام لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، واعتبر الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة هذه الاتفاقات خرقا للإجماع التاريخى السابق القائم على «الأرض مقابل السلام». علاوة على ذلك، أوجدت خطة نتنياهو لضم الأراضى الفلسطينية، واتفاقات التطبيع التى توسطت فيها الولايات المتحدة، جوا من الإحباط السياسى بين الناس فى غزة. هذا الإحباط، واقترانه بحاجز تاريخى دائم للثقة بين الفلسطينيين والأونروا يعنى أن «أى تغيير فى برامج الأونروا [من شأنه أن يثير [..] شبح «مؤامرة التصفية» ويساهم فى [...] إثارة مشاعر الشك والريبة والتشاؤم بين اللاجئين». على سبيل المثال، أدى نقص ميزانية الأونروا فى عام 2020 إلى إجبار وكالة الأمم المتحدة على تأجيل دفع الرواتب الكاملة لموظفيها وتقليص بعض خدماتها.
هذا أدى إلى تجمع الفلسطينيين، فى قطاع غزة، فى احتجاجات حاشدة غاضبة أمام مقر وعيادات الأونروا. وضمت الاحتجاجات ممثلى اللجان الوطنية والسياسية. وطالبوا باستعادة الخدمات المعتادة، وحملوا أيضا لافتات تقول «نحن جميعا لاجئون» تعبر عن غضبهم تجاه استبعاد الأونروا للاجئين الفلسطينيين غير المسجلين، ولاسيما خلال هذا الوقت الحرج، نظرا لحالة الطوارئ الصحية التى سببها وباء كوفيدــ19. كما حمل المتظاهرون رسائل إدانة سياسية حيث يبدو أنهم فسروا تقليص الأونروا للخدمات بوصفه جزءا من «مؤامرة» إدارة ترامب.
• • •
مع التوجهات نحو التطبيع، يُلاحظ تحول سلبى فى موقف بعض الدول العربية تجاه الأونروا. الدعوات لإصلاح الأونروا ليست جديدة، فقد بُنيت دعوات إصلاح الأونروا السابقة على نزع الشرعية عن حق الفلسطينيين فى العودة، وهى أيضا تشمل: «نقل مسئوليات الأونروا إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين»، و«إخراج المواطنين من مسئولية الأونروا»، و«الحد من التصريحات العلنية للأونروا»، و«فحص (تدقيق) موظفى المنطقة واللاجئين»، و«الانتقال إلى توفير الخدمات على أساس الحاجة»، و«مراقبة الكتب المدرسية والمعلمين، و«إعادة التفكير فى خدمات سيارات الإسعاف»، و«تحسين الإغاثة والخدمات الاجتماعية»، و«توسيع قروض الإسكان»، و«مراجعة برنامج التمويل الأصغر والمشاريع الصغيرة». ولكن ما يعتبر ظاهرة حديثة هو وضع شروط لتمويل الأونروا بمراقبة كتبها المدرسية المستخدمة فى تعليم اللاجئين الفلسطينيين.
هذه الدعوات كانت واضحة بشكل خاص فى الإدارة الأمريكية السابقة، حيث «كان عهد ترامب موسما مفتوحا لمنتقدى الوكالة». فقد وصف الرئيس الأمريكى السابق الأونروا بأنها «فاسدة بشكل لا يمكن إصلاحه»، ودعا جاريد كوشنر، كبير مستشارى الرئيس، إلى «بذل جهود مخلصة لتعطيل الأونروا». كما نُقل عن كوشنر فى نفس البريد الإلكترونى وصف الوكالة بأنها «فاسدة وغير فعالة» وغير مواتية للسلام. على هذا الأساس، فى عام 2018، شهدت الأونروا خفضا ماليا غير مسبوق من قبل أكبر مانح منفرد لها، وهو الولايات المتحدة.

بعد فوز بايدن بالرئاسة، تمت استعادة جزء من التمويل الأمريكى (235 مليون دولار) للأونروا.
ولسد فجوة التمويل، ساعدت مساهمات دول الخليج والأوروبية الأونروا فى التعامل مع الأزمة المالية التى سببتها إدارة ترامب، لكن بين عامى 2018 و2022، انخفض التمويل الخليجى للأونروا بشكل كبير، لا سيما التمويل المقدم من الإمارات والبحرين.
بلغ إجمالى التبرعات الإماراتية للأونروا 20 مليون دولار فى عام 2018. ومع ذلك، بعد عامين فقط، بلغت تبرعات أبو ظبى للأونروا مليون دولار فقط. يُنظر إلى الخفض الكبير فى التمويل الإماراتى على أنه مرتبط مباشرة باتفاقات أبراهام. كما قرر البرلمان الأوروبى، ولأول مرة فى تاريخه، مَنعَ 20 مليون يورو من المساعدات للأونروا إذا لم يتم إجراء تغييرات فورية على الكتب المدرسية الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، خفضت المملكة المتحدة منحتها الأساسية للوكالة بأكثر من 50 فى المائة. فى هذا السياق، دعا المفوض العام للأونروا فيليب لازارينى إلى «حماية الوكالة من أولئك الذين يحاولون الإضرار بسمعتها ونزاهتها وهدفها».
• • •
التعطيل المتعمد لعمل الأونروا لا يحرم اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة فحسب، بل يحول الوكالة أيضا إلى أداة سياسية لتجريد حكومة حماس من قوتها. فى صيف 2021، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستساهم بمبلغ 135 مليون دولار للأونروا بشرط التوقيع على إطار عمل للتعاون ينص على أنه «لن يتم استخدام أى جزء من المساهمة الأمريكية لتقديم المساعدة لأى لاجئ يتلقى تدريبات عسكرية كعضو فى ما يسمى بجيش التحرير الفلسطينى أو أى منظمة أخرى من نوع حرب العصابات أو انخراط فى عمل إرهابى»، كما نص الإطار على بند بشأن «مراقبة محتوى المناهج [المدرسية] الفلسطينية». احتج العشرات من الفلسطينيين على الاتفاقية التى اعتبروها تنتهك العديد من حقوقهم وتحول الوكالة بشكل أساس إلى وكالة مخابرات.

على الرغم من أنها مقيدة بمحدودية الموارد، تتعرض حكومة حماس الآن للضغط لسد فجوة تقديم الخدمات الناجمة عن الاقتطاعات المالية للأونروا. وتاليا، سيجبر هذا الوضع المؤلم الحكومة على التفاوض مع إسرائيل، ما قد يضعفها فى أى انتخابات فلسطينية مقبلة. مع استمرار نضال الأونروا، رفعت إسرائيل حظرا، دام سنوات على تصاريح العمل للفلسطينيين، للمرة الأولى منذ سيطرة حكومة حماس على غزة فى عام 2007. هذا يعيد قطاع غزة فعليا إلى مستعمرة اقتصادية، ويدعم المزيد من التطبيع وليس السلام. يمكن أن يؤدى هذا التغيير المفاجئ أيضا إلى تخدير المقاومة فى قطاع غزة واستمرار إضعاف الأونروا.
• • •
على عكس سيل الاتهامات الذى روج لها منتقدوها، لدى الأونروا نظام مراجعة قوى للكتب المدرسية يضم خبراء من مختلف أنحاء العالم، وبالتالى هى تقوم فعليا بـ«دمج التعليم الدولى فى مناهجها الدراسية». فى عام 2021، حصلت الأونروا على جائزة المجلس البريطانى للتميز فى التعليم العالمى. لذلك، فإن اعتماد تمويل الأونروا على أساس «مراقبة محتوى المناهج الدراسية الفلسطينية» غير مبرر. وكما أشار فيليب لازارينى، فإن «الأونروا ليست هى التى تديم إقامة دولة اللاجئين، وإنما عدم وجود حل سياسى هو ما يؤدى إلى استدامة دولة اللاجئين». يتعلم الطلاب الفسطينيون فى الفصول الدراسية بمدارس الأونروا قيم الأمم المتحدة للحرية وحقوق الإنسان تحت وقع أصوات القصف والتفجيرات، والأحياء المدمرة، وظروف الفقر التى يعيشونها فى بيوتهم. هذا هو التحدى الحقيقى الذى تواجهه الأونروا فى سعيها لتحقيق مهمتها التعليمية العالمية وهو التحدى الذى يجب معالجته بأولوية حاسمة.
وبدلا من تقديم الدعم الضرورى للأونروا فى هذه الأوقات الصعبة بسبب استمرار الأزمة الصحية على مستوى العالم، فإن الخفض المالى للأونروا قد ترك وكالة الأمم المتحدة فى «منطقة خطر»، ما يهدد أكثر حياة السكان المعرضين للخطر فى قطاع غزة. وما لم يعترف المجتمع الدولى بالتكلفة الحقيقية لاستراتيجياته لتعطيل الأونروا، والتى تتجلى فى الإضرار بالحياة البشرية والتنمية الأساسية، فإن مستقبل الأجيال الجديدة فى قطاع غزة سيتعرض للخطر، وآفاق تحقيق سلام عادل ودائم فى المنطقة سيبقى مجرد خطاب سياسى.

النص الأصلى: هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved