ثروة إفريقيا الخفية من المياه
آلان ماكدونالد
آخر تحديث:
الإثنين 25 يونيو 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
تعيش إفريقيا، التى يقطنها أكثر من 300 مليون شخص محرومون من مياه الشرب النقية، فوق كميات ضخمة منها. فقد نشرت صحيفة إنفيرومنتال ريسيرش ليترز مؤخرا مجموعة خرائط لمصادر المياه الجوفية فى إفريقيا، هى حصيلة عامين من البحث الذى أشرفت عليه الهيئة البريطانية للأبحاث الجيولوجية ومولته وزارة التنمية الدولية البريطانية. ويظهر البحث وجود كميات هائلة من المياه الجوفية المخزنة بصورة طبيعية داخل شقوق ومسام الصخور فى إفريقيا أكبر (ربما بأكثر من 20 ضعفا) من ال 8 آلاف ميل مكعب من المياه التى تظهر فى البحيرات والأنهار. وهذه المياه تحمل إمكانية كبيرة لمساعدة شعوبها وبلادها فى التخلص من الفقر، وإنتاج المزيد من الغذاء والتأقلم بصورة أفضل مع التغير المناخي. لكنها قد تؤدى أيضا إلى إثارة التوترات بين البلدان المجاورة.
فهناك فى إفريقيا 45 طبقة من المياه الجوفية العابرة للحدود حتى الآن، ويؤدى التنافس أحيانا إلى توترات خطيرة. لكن بما أن هذه المياه الجوفية تتحرك ببطء شديد (أقل من ثلاثة أقدام يوميا)، فينبغى اعتبار اقتسام هذه الآبار وسيلة للتعاون، بدلا من التنافس، وتتمثل الخطوة الأولى فى تحديد وتوصيف هذه الآبار. وإقرارا بهذا، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعضاءها، فى ديسمبر من عام 2011، إلى البدء فى العمل من أجل تحقيق هدف مشترك، وهو الإدارة الفعالة لمصادرها من المياه الجوفية.
●●●
والآن، يشكل المال العائق الرئيسى أمام توفير المياه الصالحة للشرب. وإذا توفرت الأموال الكافية للإنفاق على المياه الجوفية، والاعتناء بتحديد مواقع حفر الآبار، فسيكون بإمكاننا حفر البئر فى مكان يوفر ما يكفى من مياه الشرب النظيفة للتجمعات البشرية بتكلفة معقولة. وتتأثر المياه الجوفية تأثرا بطيئا بالجفاف والفيضانات، وهى بذلك أقل تأثرا بالتقلبات المناخية من مياه الأنهار أو البحيرات. ومن هنا، فإن الاستثمار الجاد والمستدام فى الآبار والمضخات سيساعد فى توفير مصدر آمن وموثوق به للمياه لعدد من أولئك المحرومين من مياه الشرب النقية.
لكن الأموال بحد ذاتها لن تحل مشكلة مياه الشرب النقية. فهناك 30% من مياه الآبار فى إفريقيا لم يبدأ استغلالها بعد، ولهذا يتعين على جهات التمويل، كالبنك الدولى ومؤسسة جيتس والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التحلى بالجدية فى صيانة الخدمات واستخدامها. وعادة ما تنجذب إمدادات المياه الجديدة نحو الأفضل حالا، لذلك يجب أن يستهدف الاستثمار فى مجال الخدمات الجديدة المناطق النائية حيث تعيش أعداد كبيرة من الناس؛ ومع تزايد الاعتماد على المياه الجوفية تكون هناك حاجة إلى أشخاص أكثر كفاءة وخبرة لإدارة هذه الموارد.
●●●
هناك قلق كبير من إسراف الناس فى استخدام المياه الجوفية بطريقة تحد من استدامتها. وهناك جدل كبير حول غياب الأمن الغذائى فى إفريقيا، ويبدو اعتماد الرى على المياه الجوفية للوهلة الأولى حلا رائعا. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فما لدينا من خرائط يظهر أنه بعيدا عن الآبار الضخمة فى الصحراء الإفريقية ليست هناك أماكن كثيرة يمكنك أن تحفر فيها آبارا للمياه وتتوقع أن تضخ ما يكفى من الماء لاستدامة مصادر رى محورية كتلك التى فى نبراسكا. وقد تتمثل التسوية المحتملة فى تشجيع مشروعات الرى على نطاق صغير باستخدام آبار مياه منخفضة المنسوب. وستحتاج هذه الطريقة إلى استثمارات كبيرة للحصول على الخبرة فى مجال تنمية المياه الجوفية والحوكمة وتقليل أعباء الحفر والمضخات فى إفريقيا.
فماذا عن كل تلك المياه المخزونة تحت أرض الصحراء؟ على الرغم من إغراء هذه المياه الأحفورية فهى ليست سهلة المنال، وتتطلب حفر آبار مكلفة وعميقة وخطوط أنابيب كبيرة لنقل المياه إلى من يحتاجها من الناس. وتعد ليبيا أحد البلاد التى استثمرت أموالا طائلة لاستخراج مياه الصحراء الجوفية، بعد أن أنفقت حوالى 20 مليار يورو على توفير المياه للمدن الساحلية والري.
ولا ينبغى أن ننجذب لطبقات المياه الجوفية الموجودة فى باطن الصحراء الإفريقية وأحلام خطوط الأنابيب العابرة للقارة. فالأولوية يجب أن تعطى لخدمة أولئك الذين ما زالوا يشربون المياه غير النقية من الشقوق وتجاويف مجارى الأنهار وبطريقة معقولة ومستدامة. وعلينا أن نمضى قدما من أجل تخفيض تكلفة الحفر ورفع معايير البناء ودعم وتطوير العاملين فى مجال المياه الجوفية. وعندها، يمكننا التركيز على مساعدة التجمعات السكنية والمدن الصغيرة والبلدان ككل على التنمية المستدامة وحماية المياه الجوفية الموجودة تحت أقدامهم.
كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفيه.