إبليس يتعلم من الفضائيات

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 24 يونيو 2015 - 12:45 م بتوقيت القاهرة

أنصح رجال الصحافة والإعلام في مصربرفع دعوى قضائية مضمونة، ضد صناع مسلسل «لعبة إبليس»، دون انتظار لما تسفر عنه الأحداث، فأربع حلقات تكفي.

المسلسل يدخل من أوسع الأبواب إلى شبكات الفساد المهني، والرشاوى، والتربيطات الإعلامية، التي تراعي مصالح كل الأطراف، إلا مصلحة المواطن المسكين.

القارئ أو المشاهد الذي يصدق نجمه الإعلامي المفضل، ويجري وراءه في المحاكم، ويهتف له كأنه بطل إغريقي يواجه مصيره، حتى لو كان يوتيوب يحتفظ له بقائمة جرائمه الكاملة في حق المهنة والوطن، طازجة إلى يوم الدين.

باستثناءات نادرة، لم يعد هناك مساحات نزيهة في الإعلام، وقواعد المهنة لم تعد تحكم، ومن يتحكم في كل شيء هم أصحاب رؤوس المال، والفساد، والنفوذ السياسي الداخلي والخارجي، وشركات الإعلانات، وهذا ما ينجح المسلسل في إبرازه على أنه الواقع الراهن للإعلام.

أصحاب القنوات يكذبون على الجمهور لتمرير مصالحهم الشخصية. صاحب القناة يتصل بمديرها: أنا عايز الموضوع يفضل على الهوا يا جابر، والمذيعة دي تاخد اتصالات، والواد شريف يعمل لك كام مكالمة.

شركة إعلانات واحدة عملاقة، يطلق عليها المسلسل اسم «بروموستار»، تتحكم في مصير الإعلام ورقاب العاملين فيه.

شبكة من المنتفعين والفاسدين تسيطر، منهم الضابط الكبير «اللي انت مشاركه في مصنع الخمرة المغشوشة».

وموظف مجلس الوزراء الذي يسرب المعلومات الاقتصادية لرجال الأعمال مقابل الرشوة.

و«الشرط الجزائي تقدر تدفعه، جوزها لسه امبارح عامل صفقة سلاح لليبيا بمائة مليون دولار».

تجارة السلاح أيضا تتحكم، و«ماحدش مالوش سوابق يا نجم».

يقول الصحفي: نكتب في الجورنال عندنا إن سليم بياخد تمويل من إسرائيل عشان القنوات الجديدة، نشوشر عليه، وماحدش من بتوع الإعلانات يقدر يقرب له.

نعم، إنها الإعلانات. مملكة بروموستار، التي تستطيع أن تغلق أي برنامج أو قناة أو صحيفة، إذا قررت إن «ماحدش من بتوع الإعلانات يقدر يقرب منها».

إبليس نفسه يتعلم من طريقة إغلاق برنامج باسم يوسف، ونفيه نهائيا من مصر، من بوابة الإعلانات.

تسريبات ويكليكس الأخيرة، نسبت إلى زملاء صحفيين طلبهم من حكومة صديقة تمويل صحف حليفة لها، معادية لإيران، والنموذج موجود دائما منذ السبعينيات، بتنويعات وعناوين أخرى.

التسريبات تقول إن الخارجية السعودية أوصت بالتعاقد «مع شركة إعلامية مصرية لمواجهة الإعلام السلبي، تحت إشراف ومتابعة السفارة، تدعو الإعلاميين والمثقفين أصحاب النفوذ، لزيارة المملكة، وحضور المناسبات الثقافية وغيرها».

التسريبة نشرها أحد المواقع بعنوان مستفز: الإعلام المصري ورقة «سهلة» في يد السعودية.

الإعلام في العالم كله ورقة سهلة في قبضة المال والنفوذ، لكن الحد الأدنى من المهنية قد يحفظ ماء الوجه. وما تخسره مصر سياسيا واقتصاديا وإنسانيا من انهيار الإعلام يستعصى على الإحصاء، وأقله قول الصحفي جمال خاشقجي من هناك، من السعودية، إن «الإعلام المصري يُدار بالتليفون»، ولم يرد عليه أحد.

«فضح أكاذيب الإعلام المصري»، صفحة على فيسبوك، تضم أكثر من 25 ألف متابع، نشرت أمس مانشيتات كل صحف مصر بلا استثناء، عن تسليم أحمد منصور للسلطات المصرية خلال ساعات، وهو ما لم يحدث.

وضعت الصفحة مقطعا لمذيع توك شو يهز رأسه واثقا من أن «الورق المرة دي اتعمل صح الصح، اللي عمل الورق المرة دي معلم، وعارف هو باعت ايه، وعارف ان القضية دي حتوقفه في المطار».

من يتحكم في المشهد الإعلامي المصري كله «معلم» من هذا النوع، معلم لا يتخيل أبدا نهاية المسلسل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved