جولة فى سيناريوهات الجنوب السورى

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأحد 24 يونيو 2018 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

سباق الحرب والسلام يحتدم على جبهة جنوب سوريا الغربى.. الجيش السورى يستكمل حشوده، ويبدو فى أتمّ الجاهزية لمعركة كبرى فى المنطقة.. المعارضة المسلحة، ومن ضمنها «النصرة» و«داعش» فى أعلى درجات الاستنفار والاستعداد للمواجهة، فيما العواصم المعنية مباشرة، خصوصا فى الأردن وإسرائيل، ترقب المشهد عن كثب، وتتحسب لمختلف السيناريوهات، بما فيها أكثرها سوءا.
والسيناريو الأكثر سوءا فى جنوب سوريا، هو اندلاع نزاع واسع ومفتوح بين الجيش السورى مدعوما بحلفائه ومغطى بسلاح الجو الروسى من جهة، والمقاتلين المسلحين، على تنوع مرجعياتها ومشاربهم والجهات الإقليمية الراعية لهم من جهة ثانية؛ ما سيتسبب بحدوث دمار كبير وخسائر بشرية فادحة، وفقا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية الأخير، الذى صدر قبل أيام، بدعم وتمويل من مؤسسة كونراد أديناور، ومن ضمن الخسائر التى يشير إليها التقرير: موجة نزوح واسعة النطاق لما يتراوح ما بين 150 ــ 250 ألف مواطن سورى، باتجاه حدود سوريا مع الأردن والجولان المحتل، من دون وجود أى ضمانات، بأنهم لن يحاولوا اختراق الحدود، وتحديدا مع الأردن.
لكن الفرصة، كما نعتقد، وكما يشير التقرير المذكور، ما زالت قائمة لتسوية سياسية، يرعاها الثلاثى الضامن لمنطقة خفض التصعيد فى جنوب غرب سوريا: الأردن، الولايات المتحدة وروسيا، وإسرائيل الحاضر واقعيا، والغائب رسميا عن لقاءات هذا الثلاثى وغرفة المراقبة التى يعمل بها من عمان.. وربما نفاجأ بين لحظة وأخرى، بوصول الأطراف إلى تفاهمات، تنقل المنطقة برمتها إلى «السيناريو الأحسن»، والذى يتمثل بتوافق الأطراف على صفقة، سبق لنا وأن عددنا بعضا من أبرز عناصرها وملامحها، وتقوم على: أولا ــ انتشار أجهزة الدولة السورية المدنية والعسكرية على امتداد حدود سوريا الجنوبية.. ثانيا: إبعاد القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لمسافة آمنة عن هذه الحدود.. ثالثا: إنجاز ترتيبات وتسويات للمسلحين من فصائل المعارضة، بما فيها «النصرة» التى قد تقبل بـ «نفى» عناصرها وعائلاتهم إلى إدلب، كما حصل من قبل، وأكثر من مرة، فيما سيظل «جيش خالد» فى مرمى نيران الحرب على الإرهاب.. رابعا: إعادة العمل بالاتفاق السورى الإسرائيلى حول «فك الاشتباك» وإعادة نشر قوات «الإندوف» على الخط الفاصل بين الجولانيين: المحرر والمحتل.
السوريون والإيرانيون لا يمانعون بتسوية من هذا النوع، بيد أنهم يضيفون إليها تفكيك «قاعدة التنف» الأمريكية فى الجنوب الشرقى لسوريا، كجزء من المعادلة أو الصفقة الشاملة، وهو أمر لم يحسم الجدل أو التفاوض بشأنه حتى الآن.. وليد المعلم طالب بذلك علنًا، وأكثر من مسئول إيرانى نفى وجود قوات لبلاده فى جنوب سوريا، وأبدى استعداده للتجاوب مع صفقة، تعيد النظام السورى إلى كامل خط الحدود الجنوبية لسوريا مع الأردن وإسرائيل.
كثير من عناصر «الصفقة الشاملة» تبدو مقبولة أردنيا وإسرائيليا، وبالذات أردنيا، إذ إن إسرائيل تريد للصفقة أن تشتمل على إخراج إيران وحزب الله، من جميع الأراضى السورية، وليس من جنوب سوريا فحسب.. كما أنها بدت مقبولة من قبل موسكو التى تعهدت نشر شرطتها العسكرية فى هذه المنطقة لضمان التزام الأطراف بمضامين الاتفاق أو التفاهمات، ودمشق تريدها وتستعجلها، وربما تكون سرعت حشد قواتها لاستيلاد الصفقة لا للقضاء عليها فى مهدها، فيما طهران تدرك أن كلفة الاعتراض عليها، ستكون مكلفة، وهى فى وضعية من يسعى إلى تفادى المواجهة مع إسرائيل والغرب، بأى ثمن.
الغموض حتى الآن، ما زال يلف الموقف الأمريكى، فواشنطن وإن كانت أحد الأطراف الضامنة لاتفاق خفض التصعيد، إلا أنها لم تعطِ كلمتها النهائية بعد، ولم تتوقف عن قول الشيء ونقيضه بشأن سوريا، لكنها فى المقابل، لن تقف فى مواجهة مع ما تريده إسرائيل والأردن، سيما وأننا أمام قيادة أمريكية، «منقادة» وليست «قائدة»، حين يتصل الأمر بإسرائيل.
«ستاتيكو» خفض التصعيد، إجراء انتقالى مؤقت، لا يمكن أن يستمر أو أن يدوم، وحفظ الأمر الواقع على ما هو عليه، مطلب عصى على التحقق والتحقيق، فى ظل استمرار حالة الاحتقان والاستقطاب بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وكل من إيران وبدرجة أقل روسيا من جهة ثانية.. أى بمعنى آخر، فإن بقاء الحال هذا المنوال، ليس من بين السيناريوهات الجدية التى تنتظرها المنطقة، وفى غياب الرغبة بالانزلاق إلى حرب شاملة فى المنطقة «السيناريو الأسوأ»، فإن من المرجح أن ترتفع حظوظ السيناريو الأقل سوءا، «التسوية» و«الصفقة» وتبعاتهما، والأيام القليلة القادمة، ستكشف من يسبق أولا: التسوية السياسية/ الصفقة أم الحرب والمواجهة الواسعتان.

الدستور ــ الأردن
عريب الرنتاوى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved