المساواة لا يحميها سوى القانون
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الإثنين 24 يونيو 2019 - 10:15 م
بتوقيت القاهرة
المساواة أمام القانون أحد أهم أركان الدولة المدنية إن لم يكن أهمها جميعا.
والدولة المدنية هى التى تخضع لحكم قانون عادل، تسنه سلطة تشريعية منتخبة، وتطبقه سلطة تنفيذية محايدة، وتراقبها فى ذلك سلطة قضائية مستقلة.
سبب هذه المقدمة البديهية هو الفجوة التى نلمسها أحيانا بين الموقف الرسمى للدولة والسياسات التى تنتهجها والقوانين التى تصدرها من جهة، وبين الواقع الاجتماعى والقناعات والانحيازات السائدة فى المجتمع من جهة أخرى، بما يجعل القانون المكتوب مختلفا عن العرف الجارى فيما يتعلق بالمساواة بين المواطنين. وهذه الفجوة بين السياسة الرسمية للدولة وبين الواقع الاجتماعى لا تتعلق بقضية معينة ولا بنوع محدد من التمييز، بل هو ظاهرة عامة فى المجتمع.
هناك فجوة بين خطاب الدولة وسياساتها الرسمية تجاه المواطنين المسيحيين وعدم التفرقة بينهم وبين أشقائهم المسلمين، وهى فجوة تتضح مثلا فيما حدث منذ سنوات حينما نجحت الضغوط المحلية فى إلغاء قرار تعيين محافظ مسيحى، وكما يحدث فى كل مرة يمنع فيها المتطرفون إقامة الشعائر الدينية المسيحية فى بعض مناطق الصعيد، وكما قيل إنه قد تكرر مؤخرا مع التراجع عن تسمية مدرسة فى الصعيد باسم شهيد مسيحى.
وهناك فجوة شبيهة بين خطاب الدولة الرسمى وسياساتها الداعمة لدور المرأة فى المجتمع ونسبة تمثيلهن فى الحكومة والبرلمان، وبين الواقع الذى لا يزال ينظر بسخرية واستهزاء للمساواة بين المرأة والرجل فى العمل والمنزل والمجال العام، وتكون له نتائج عملية مثل عدم تمكين المرأة من اعتلاء منصة القضاء.
وهناك فجوات عديدة مماثلة بين الخطاب الرسمى والبرامج الحكومية التى تتوجه لجميع المواطنين وبين الواقع الذى يواجه أهل الريف حينما يتقدمون للحصول على وظائف أو خدمات عامة أو فرص فى شركات القطاع الخاص أو حتى شراء سلع وخدمات خاصة.
من وقت لآخر تطل على الساحة قضية عامة تعبر عن عمق الأزمة وتدفع المجتمع لاتخاذ موقف حاسم والدولة للاستجابة السريعة، كما حدث حينما أعلن وزير سابق أن السلك القضائى ليس متاحا لابناء عاملى النظافة، أو حينما استهزأ وزير آخر بحجم ووزن احدى الموظفات فى وزارته، وقد اضطر كلاهما للاستقالة. ولكن هذه حالات صارخة لا يقاس عليها لأنها تحولت إلى قضايا رأى عام، بينما الفجوة بين الرسمى والفعلى قائمة ومستمرة بعيدا عن رصد الإعلام.
هذه الفجوة بين الرسمى والواقعى لن تنغلق أو تضيق الا متى كان للمساواة قانون يحميها، وهو قانون طال انتظاره وجرى الحديث عنه والمطالبة به لسنوات طويلة دون طائل، قانون حماية المساواة ومنع التمييز.
فالقانون وحده الذى يملك أن يحول الخطاب الرسمى للدولة إلى حقوق والتزامات ومعايير واجراءات وعقوبات. وبدون قانون واضح فإن كل تدخل للدولة وكل خطاب تصدره أو سياسة تطبقها، يظل فى النهاية محكوما بقرار سياسى له أسبابه وملابساته التى قد تتغير ويتغير معها الخطاب السائد والسياسات المصاحبة له. قانون حماية المساواة هو وحده القادر على تجاوز المتغيرات الثقافية والسياسية ووضع معايير واضحة وصارمة لا يجوز تجاوزها بغض النظر عن موضوعها وظروفها.
صحيح أن إصدار قانون للمساواة لن يغير مرة واحدة من سلوك الناس ولا القناعات الراسخة فى المجتمع، فهذا مجاله التعليم والتوعية والثقافة والإعلام والقدوة الحسنة. ولكن أهمية القانون أنه يحدد الفارق بين الخطأ والصواب، وبين المشروع والمؤثم، فيكون كل من يمارس التمييز أو يحرض عليه مرتكبا لجريمة ومدركا بأنها قد تلاحقه يوما ولو بعد حين.
هذا القانون كثر الحديث عنه وطال انتظاره ولكن لا بأس من المحاولة مرة أخرى ومرات حتى يكون لمصر وللمصريين تشريع ملزم يحمى المساواة ويمنع التمييز بينهم كما يليق بأبناء الوطن الواحد.