الاحتفال بثورة يوليو.. ثم ماذا؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الجمعة 24 يوليه 2009 - 8:36 م بتوقيت القاهرة

ككل الأعوام التى سبقت تقام الاحتفالات المذكّرة بثورة الثالث والعشرين من تموز. هناك احتفالات تستعيد ذكرى قيام تلك الثورة ووهج تألقها وأحلام أعظم ثورات العرب فى القرن العشرين والتى لا تبزّها فى العمق والاتساع والفعل إلا ثورة الإسلام الرائعة العظيمة. لكن هناك احتفالات الشامتين التى تستعيد ذكرى السقوط والتراجع المذهل للثورة الناصرية تلك.

لكن، إذا كان قيام الثورة، بانتصاراتها وهزائمها، بأحلامها واخفاقاتها، قد أصبح جزءا من التاريخ، فإن سقوطها لايزال يفعل فعله المفجع فى الحاضر، وسيمتد فى أفق المستقبل. ذلك أن الانقلاب الجبان الانتهازى الذى أطاح بالثورة الناصرية منذ نحو أربعة عقود مثل انجرافا ثلجيا من على قمة جبل الكرامة والإرادة والحراك التاريخى الهائل. وككل الانجرافات الثلجية تكونت كرة ثلجية بقيت تتدحرج وتكبر حتى يومنا هذا، إذ إن القاع الذى تتجه إليه تلك الكرة يزداد عمقا واتساعا وابتعادا فى المجهول المظلم.

فى كل عام إذن تقام الاحتفالات تجاذبا بين الاعتزاز والفخار والآمال الكبرى وبين الشماتة والانكسار والإحباطات المتعاظمة. ويسأل الإنسان نفسه ألف سؤال، ويكون الجواب سنة بعد أخرى هو الجواب إياه. فمثلا، بعد أربعين سنة من الانكسار، ما الذى منع كل فصائل الناصرية من التقارب ونبذ الخلافات العبثية والالتحام فى تيار متكامل متناغم قادر على الفعل ومواجهة من خانوا الثورة؟ ومثلا، لماذا لم يستطع القوميون الآخرون اعتبار الناصرية جزءا مكملا وضروريا لهم بحيث ينتج عن ذلك تيار قومى واحد متراص وقادر على مواجهة أعداء الوحدة والاشتراكية والحرية؟ لماذا لم يستطع كل أولئك إغلاق الدكاكين وواجهات القول دون الفعل والتوجه من جديد نحو الناس المنتظرين وجود النواة للدوران حولها؟ لماذا لم يطهروا الاختراق الرسمى والأمنى فى صفوفهم ويعيدوا وهج ثقة الناس بهم وبمبادئهم وببرامجهم السياسية؟

ومثلا، لماذا لم تقم كتلة تاريخية تضم القوميين واليساريين الليبراليين والإسلاميين ومؤسسات التوحد العربى المهنية والنقابية وغيرها، لإيقاف التدهور العربى أمام المشروع الصهيونى ــ الأمريكى ــ الأوروبى؟ لماذا تهيمن الخلافات حول نظام الحكم والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية قبل تحقق قيام الدولة ــ الأمة أو قبل تحرر الأرض العربية من مستوطنيها الصهاينة ومحتليها الأمريكيين؟

أحقا أن الغيارى على ما حل بالثورة العربية الكبرى من جراء سقوط الناصرية المدوى لا يشاهدون كرة ثلج السقوط تكبر كل سنة وتصبح أكثر ثقلا، فى حين أن سواعدهم المطلوبة لوقف التدحرج نحو القاع تضعف وعضلاتهم تضمر؟!.. أحقا أن هؤلاء الغيارى لا يريون أن الاحتفالات السنوية أصبحت فولكلورية خارج التاريخ والفعل والتغيير؟.. هذا بينما يجلس أعداء مبادئ وتطلعات الثورة على مقاعد حكمهم يمعنون فى الاستغلال والاستبداد بتناغم تام مع الخارج السياسى والعسكرى ومع الخارج الاقتصادى العولمى.

النخبة السياسية فى المجتمع المدنى العربى تحتاج أن تجيب عن هذه الأسئلة إجابات تاريخية شجاعة. وإذا لم تستطع فعليها التنحى لغيرها ليفعل ذلك. والمراوحة الحالية أصبحت مملة ومثيرة للغثيان، بل وكثير من رجالات السياسة غير الرسميين أصبحوا مواضيع للتندر والفكاهة. صورة مؤلمة؟ نعم، ولكنها الحقيقة. فهذه الأمة التى يدفعها المشروع الصهيونى ــ الأمريكى دفعا نحو التهميش التاريخى المفجع، والتى أصبحت كالكوكب الذى يبتعد شيئا فشيئا عن شمسه ليضيع فى طرقات العدم، هذه الأمة تستحق قيادات سياسية نضالية أفضل بكثير مما هو موجود فى الساحة.

وبسبب كل ذلك أصبحت ذكرى ثورة ٢٣ يوليو مناحة وبكائية تشبه مناحات كربلاء وبكائيات فردوس الأندلس المفقود، وأصبح الإنسان يكره الكتابة عن هذا الموضوع الذى دمره أصحابه بقلة الحيلة وطول الانتظار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved