دور الخليج فى التنمية العربية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 24 يوليه 2014 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

بينت سابقا أهمية موضوع الاقتصاد كجزء مكمل لموضوع السياسة فى مسيرة ثورات وحراكات الربيع العربى الذى، مهما كثرت عثراته الحالية، يحتاج أن يتعامل شباب الأمة العربية معه من خلال قول شهير للثورى الإيطالى المعروف أنطونيو غرامشى «نحتاج أن نملك تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة».

•••

ولنذكر أنفسنا يوميا بأن تفاؤل إرادة شباب أحداث الربيع العربى هو الذى فجر ثورات وحراكات ذلك الربيع تحت شعار شاعر تونس العظيم أبوالقاسم الشابى «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر»، والقدر هو صمود الإرادة المتفائلة لشباب الأمة فى وجه تشاؤم حسابات العقل، وذلك من أجل اقتحام أسوار المستقبل، طال الزمن أو قصر.

وإذن فهناك مكان لمناقشة صورة المستقبل لمسيرة نضالات هذه الأمة العظيمة، ولنعد إلى موضوع الاقتصاد، الذى هو من أهم أسباب التراجعات فى الحياة السياسية العربية. ولقد اخترنا أن يكون أحد المداخل لبناء اقتصاد عربى مدخل إصلاح اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجى بسبب امتلاكها لريع نفطى ــ غازى هائل. وطالبنا دول المجلس إجراء مناقشات مجتمعية عامة لوضع منطلقات أساسية مفصلية لاقتصادها، بعيدا عن هيمنة الفكر الاقتصادى، الذى تنادى به المدرسة الليبرالية الجديدة، مدرسة الرأسمالية العولمية المتوحشة الرافضة لأى تنظيم أو كبح سياسى وأخلاقى.

•••

فى اعتقادى أن النقاشات يجب أن تحسم الجوانب التالية، فكرا وممارسة وأولويات.

أولا: أن الاقتصاد ليس فقط عبارة عن سوق وتبادل سلع، وهو موضوع لا يمكن أن ينفصل عن التفاعل مع السياسة. والمدرسة التى تدعى بأن الاقتصاد هو علم مستقل بقوانينه الذاتية، تماما مثل علم الفيزياء أو علم الكيمياء، ثبت بطلان إدعاءاتها تلك من قبل الكثيرين من علماء الاقتصاد أنفسهم وعرتها إلى حدود الفضيحة أزمة العالم المالية والاقتصادية منذ عام 2008.

ثانيا: أن منطلق اقتصاد دول مجلس التعاون، وبالتالى بقية أقطار الوطن العربى، يجب أن يركز على أن يكون اقتصاد إنتاج لسلع مادية ومعرفية وخدمية قبل أن يكون اقتصاد استهلاك نهم عبثى تبذيرى، كما نشاهده عندنا وكما تريده مؤسسات وشركات الرأسمالية العولمية الحالية. إن اقتصاد الإنتاج سيتطلب التركيز على حقول الزراعة والصناعة والتكنولوجيا وإنتاج المعرفة ورفع كفاءة كل أنواع الخدمات ووجود تعليم إبداعى ونشاطات بحثية جادة رفيعة المستوى.

ثالثا: إن موضوع الاقتصاد أهم وأكبر من أن يترك لمن يسمون أنفسهم خبراء اقتصاد، وبالتالى فإن ممثلى المواطنين فى البرلمانات وممثلى العمال فى النقابات وأجهزة الحكم المعنية هم معنيون أيضا ويجب أن تكون لهم كلمة. من هنا فإن تدخل الدولة فى الشأن الاقتصادى، لوضع ضوابط له ولمراقبته ولحمايته من المفسدين، هو ضرورى. وقد أثبتت الأزمة المالية العالمية الأخيرة بطلان مدرسة أمثال ملتون فريدمان فى شيكاغو وهايك فى النمسا وغيرهما من عتاة مدرسة عدم تدخل الدولة فى الشأن الاقتصادى.

رابعا: إذا كنا نتفق على ضرورة تدخل الدول فإن دول مجلس التعاون مطلوب منها وضع إجراءات حمائية لكل مؤسساتها الاقتصادية الوطنية فى فترة نشوئها وطفولتها. هنا يجب التذكير بأن كل دول الغرب والشرق الصناعية، التى نراها أمامنا اليوم قد مارست السياسات الحمائية الصارمة لحماية زراعتها وصناعتها الوطنية طيلة عقود طويلة. ولم ترفع الحماية إلا بعد أن شبت مؤسساتها الإنتاجية عن الطوق وأصبحت قادرة على المنافسة فى الأسواق الدولية.

إن إملاءات منظمة التجارة العالمية ومؤسسات المال العولمية وحكومات الدول الرأسمالية المتقدمة يجب أن ترفض وتجرى مراجعة شاملة لهذا الموضوع الخطير. فمصالحنا الوطنية والقومية يجب أن تعلو فوق تلك الإملاءات.

خامسا: إن توجه دول المجلس، تأثرا بما يجرى فى العالم، نحو اقتصاد قائم على المغامرة والمضاربة المجنونة فى الأسواق المالية وأسواق العقارات وفى بورصات الأسهم، الذى ينقل مجتمعاتنا من أزمة إلى أزمة ويبعثر ثرواتنا البترولية والغازية بعيدا عن استعمالها فى بناء الاقتصاد الإنتاجى، الذى تحدثنا عنه، هذا التوجه يحتاج إلى مراجعة عميقة تؤدى إلى وضع ضوابط صارمة.

سادسا: لن تكتمل الصورة إلا بوضع تصور اقتصادى استراتيجى عن إدماج اقتصاد دول المجلس فى الاقتصاد العربى العام، لا كمنح ومكرمات وعطايا سياسية فى مقاصدها، بل كاستثمارات عقلانية كفؤة فى انتقال الاقتصاد العربى ككل إلى أن يكون اقتصادا إنتاجيا ــ معرفيا متكاملا مع بعضه البعض، مواجها للعالم ككتلة متناغمة، معتمدا إلى حدود كبيرة على قواه الذاتية، رافضا للإملاءات الخارجية وعلى الأخص ما يصب منها للمصلحة الصهيونية وهيمنتها على المنطقة.

تلك بعض من المنطلقات، وهناك العديد الآخر منها، وقد نطرحها مستقبلا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved