انتخابات رئاسية بلا مرشحين

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 24 يوليه 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

لم يعد أمامنا سوى أقل من سبعة أشهر حتى نشهد إجراءات انتخابات الرئاسة المقبلة، حيث تنص المادة 140 من الدستور على أن هذه الإجراءات يجب أن تبدأ قبل 120 يوما على الأقل من انتهاء مدة الرئاسة الحالية فى 7 يونيو المقبل، على أن يتم الإعلان عن الفائز فى هذه الانتخابات قبل شهر من انتهاء هذه المدة، وهو ما يعنى أننا سنبدأ هذا الموسم الانتخابى الأهم فى البلاد من 8 فبراير المقبل، وسنعرف اسم الرئيس الجديد قبل 7 مايو.
كان من المفترض أننا سنكون الآن فى وسط موسم سياسى ساخن وصاخب، تعقد فيه المناظرات بين مختلف المرشحين، يتبارزون خلالها ببرامجهم الانتخابية، ويتنافسون فى الحصول على أصوات الناخبين، ويحرص كل واحد منهم على توضيح نقاط ضعف برامج بقية المرشحين، وأن تكون هذه الانتخابات حديث الشوارع والمقاهى والبيوت، وأن تتنافس الصحف وبرامج الفضائيات ومحطات الإذاعة فى فحص وتمحيص برامج مختلف المرشحين، وكيف يعالجون أوضاعنا الراهنة؟ وما هى رؤيتهم لحل أزماتنا الاقتصادية والسياسية؟ وكيف سينفذون هذه الرؤى؟ وماذ تقول استطلاعات الرأى حول المرشحين ومصداقية وعودهم وبرامجهم الانتخابية؟
ومع ذلك، فإن أيا من هذا لا يحدث، نعيش حياتنا وكأننا دببة القطب الشمالى فى عز موسم بياتها الشتوى، أو كأننا مجتمع بلا أزمات طاحنة، نجحت دولته فى حل كل مشاكله، ويعيش أبناؤه فى المدينة الفاضلة، لا يكتوون بارتفاعات فلكية متتالية فى أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتفرض عليها حكومتهم ضرائب متتالية، وتنتشر بينهم البطالة، وتصادر كل حقوقهم الدستورية والقانونية، وتنتهك أحكام قضائية نهائية وباتة، ويتراجع وزنها الدولى والإقليمى، ثم تطالبهم بمزيد من الصبر والتحمل لأجل غير معلوم!
لم نعد فقط دولة فقيرة اقتصاديا كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، لكننا أصبحنا دولة فقيرة سياسيا أيضا، فالرئيس نفسه لم يؤكد بشكل قطعى خوضه الانتخابات المقبلة، حيث قال منذ عدة شهور إنه لن يبقى فى منصبه ثانية واحدة إذا أراد المصريون ذلك، وإن كانت كل التوقعات تؤكد أنه سيترشح فيها، أما فصائل المعارضة فلم تعلن بشكل واضح عن نيتها دخول هذه الانتخابات أصلا أم لا، وإذا دخلتها هل سيكون ذلك عبر عدة مرشحين أم أنها ستتفق على مرشح واحد ببرنامج انتخابى مشترك، فى حين لا تزال الشخصيات العامة مثل أحمد شفيق أو خالد على أو سامى عنان تراوح مكانها، واكتفت بتصريحات خجولة حول دراستها للموقف، وأنها لم تحدد موقفها النهائى بعد!
نظريا، نحن مقبلون على واحدة من أهم الانتخابات الرئاسية المصيرية فى كل تاريخنا السياسى، بدون مرشحين مؤكدين حتى الآن. أما عمليا فستكون انتخابات بطعم الاستفتاء على الرئيس السيسى، وهو وضع غير طبيعى فى بلد أشعل ثورة قبل ست سنوات ونصف السنة كانت حديث العالم، شهدت خلالها الدنيا كلها للمصريين بالعظمة والرقى والنضج السياسى.
قد تكون القيود الخشنة والناعمة المفروضة الآن على حركة الشارع السياسى وعلى، حرية الصحافة والإعلام، مبررا لانصراف القوى الجماهيرية عن الاهتمام بانتخابات الرئاسة المقبلة، ولكنها لا تبرر إطلاقا تكاسل النخب والقوى السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدنى عن طرح العديد من القضايا المهمة على طاولة النقاش العام، سواء ما يتعلق منها بإخفاقنا فى بناء دولة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية التى نادت بها ثورة يناير، أو بأخطاء وخطايا الحكم فى المراحل الانتقالية حتى حكم الإخوان نهاية بأوضاعنا الراهنة، أو أسباب الانسحاب الشعبى الكامل عن العمل السياسى، أو حتى مجرد الاهتمام بالشأن العام!
الفقراء سياسيا لن يتمكنوا أبدا من حل أزماتهم المعيشية والاقتصادية، ولا يوجد فى العالم كله مجتمع متقدم اقتصاديا ومتخلف سياسيا، ولا يوجد مجتمع أيضا يستقبل انتخاباته الرئاسية بهذا البرود السياسى، بدون أن تلاحقه أزمات معيشية طاحنة!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved