عواصف اليمين المحافظ المتجهة نحونا

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 24 يوليه 2019 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

فى الولايات المتحدة الأمريكية يتكون بصورة متنامية تيار محافظ أصولى يمينى متطرف. فى السياسة يتبنى كل الشعارات العنصرية المعادية للمسلمين والمهاجرين، وكل الأطروحات الرافضة لوجود دولة الرعاية الاجتماعية.
فى الاقتصاد يتبنى التيار الأسس التى تقوم عليها النيولبرالية الرأسمالية العولمية، وفى مقدمتها الحرية التامة للسوق وعدم تدخل الدولة لتنظيمه والحد من مخاطر مغامراته المؤدية إلى نشر مزيد من الفقر ومن تهميش الطبقة الوسطى. وفى الاجتماع معاداة سافرة لكثير من حقوق المرأة، بل وإرجاعها إلى البيت كتابعة للزوج تحت مسمى العائلة الطبيعية.
وكانت الضحية لكل ذلك المشهد العبثى الديمقراطية الليبرالية التى عرفت بها أمريكا منذ تأسيسها كدولة، خصوصا بعد إقحام هلوسات وخرافات بعض الجماعات الدينية الرجعية فى تبرير شعارات ذلك التيار.
قابل ذلك المشهد الأمريكى مشهد أوروبى مقلق تمثل فى صعود حركات شعبوية غوغائية، منغلقة على ذاتها ومتعصبة ضد الآخر الأجنبى، ومعادية لأوروبا الموحدة، ومتراجعة عن فكرة دولة الرعاية الاجتماعية بخدماتها الإنسانية. وفى كثير من أطروحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتماثل مع أطروحات التيار الأمريكى المحافظ الجديد.

كمثال صارخ على الاتجاه الذى تسير نحوه أوروبا يكفى أن يستمع الإنسان لما قاله سالفينى الإيطالى، زعيم الحراك الشعبوى فى إيطاليا، بعد نجاحات الحركات اليمينية الأوروبية فى انتخابات البرلمان الأوروبى الأخيرة. يقول «نجاحاتنا تعنى أن أوروبا قد تغيرت، ويضيف وهو يمسك مسبحه ويقبل الصليب». آن الأوان أن نحافظ على جذور أوروبا اليهودية – المسيحية». هل هناك شك أن أوروبا الأنوار والعلمانية والحداثة يراد لها أن تنقلب على تاريخها وديمقراطيتها وتعددها الثقافي؟
ما يقلق الكثيرين من المفكرين والمثفقين فى أمريكا وأوروبا هو ظهور دلائل كثيرة على التوجُّه نحو بناء تحالف يمينى محافظ، يدور فى فلك النيولبرالية الرأسمالية ويدافع عن جنونها، فيما بين قوى التيار الأمريكى اليمينى والقوى الشعبوية اليمينية الأوروبية. ويتحدث البعض عن ملايين الدولارات التى صرفها أغنياء اليمين الأمريكى على دعم انتخاب مرشحى الأحزاب الشعبوية الأوروبية وعلى تمويل سخى لمؤتمرات مشتركة كثيرة ولتلميع صور زعماء اليمين وإسنادهم فى الحصول على مراكز قيادية فى مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية الأوروبية.
نحن إذن أمام بداية تكون خطرا مرعبا لتحالف يضمُ اليمين المحافظ الرجعى الأمريكى وحليفه اليمين الصهيونى العنصرى الاستعمارى من جهة واليمين الشعبوى الأوروبى من جهة أخرى. والسؤال: هل سيقف الأمر عند هذا الحد، أم أن العالم سيواجه تمدُدا متناميا لذلك التحالف عبر العالم كله؟ منطق التاريخ وطبائع الاجتماع يقولان بأن الجواب هو «نعم» وشبه مؤكد.
هذا يقود إلى سؤال ثان، يتعلق بنا نحن العرب. السؤال:هل سيسعى ذلك التحالف لضم ودعم اليمين المحافظ الرجعى العربى، بكل تجلياته السياسية والدينية والاقتصادية وولاءاته القبلية والعرقية والطائفية، وفى الوقت نفسه لمحاربة كل القوى والتيارات التقدمية التحررية العربية؟ وهل سيعيد التاريخ نفسه عندما وقف الغرب الاستعمارى، وبالتناغم التام مع حليفته الصهيونية، فى خمسينيات القرن الماضى فى وجه القوى القومية التقدمية التحررية بكل ثقله وعنفه حتى أنهكها ومزق صفوها ومكن الرجعية العربية من تنظيم صفوفها والهيمنة على سائر المجتمعات العربية؟
هذا سؤال مفصلى تحتاج القوى التقدمية التحررية النهضوية العربية أن تطرحه على نفسها الآن وتستعد لمواجهة أهواله فى المستقبل القريب علينا أن نستعد لمواجهة عواصف ستهب علينا من بعض أنظمة الحكم الغربية، وفى مقدمتها نظام الحكم الأمريكى الجديد، ومن التحالف اليمينى الشعبوى الأمريكى ــ الأوروبى ــ الصهيونى، ومن بعض العرب الذين تخلُوا عن التزاماتهم القومية العروبية وعن كثير من القيم الديمقراطية العادلة الإنسانية.. عواصف ستجتاح الوطن العربى كلُه، ولن توقفها إلاُ قوى تقدمية عربية تاريخية جديدة فى شكل تحالف تاريخى كبير مع قوى تقدمية عبر العالم كله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved