فى صحة المصريين

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 24 يوليه 2019 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

حسنا فعلت الحكومة عندما اعترفت بوجود نقص كبير فى عدد الأطباء فى المستشفيات الحكومية، لكن للأسف الشديد، ما صدر بعد ذلك من تصريحات وما تم طرحه من أفكار لمواجهة المشكلة سواء من المسئولين أو بعض المضللين، لا يبعث على التفاؤل بالوصول إلى حل قريب لمشكلة لا تحتمل الانتظار.
فالبعض تحدث عن تخريج دفعات استثنائية عاجلة من كليات الطب، ولم يقولوا لنا كيف يتم ذلك. وإعلامى من الوزن الثقيل قال إن الأطباء درسوا الطب فى مصر مجانا وعليهم العمل فى المستشفيات الحكومية برواتبهم الهزيلة، لكنه لم يقل لهم كيف يغطون التزاماتهم الحياتية.
مأساة نقص الأطباء فى مصر يعنى تدهورا جديدا وغير مسبوق فى مجال الرعاية الصحية العامة، لننتقل من مرحلة أن المريض الذى يذهب إلى المستشفى الحكومى عليه إحضار «الشاش والقطن والدوا» إلى مرحلة جديدة تماما يحتاج فيها إلى إحضار «الشاش والقطن والدوا والدكتور» أيضا.
فهل يعلم القائمون على أمر صحة المصريين أن طبيب المستشفى الحكومى فى بعض التخصصات الذى لا يزيد راتبه عن 3 آلاف جنيه يقوم بالكشف على أكثر من 50 مريضا يوميا؟ وهل يعلم هؤلاء أن هذا الوضع يمثل ضغطا نفسيا وجسديا هائلا على هؤلاء الأطباء فيدفع الكثيرين منهم لترك العمل فى المستشفيات الحكومية؟
بالطبع هناك مبادرات وجهود وخطط حكومية مشكورة فى مجال الرعاية الصحية للمصريين، لكنها للأسف الشديد لا تتعامل مع جوهر المشكلة، وهى نقص مخصصات قطاع الصحة، وبالتالى فالمستشفيات بدون أدوية ولا مستلزمات كافية لتقديم الخدمة المطلوبة للمرضى، ورواتب الأطباء وأطقم التمريض هزيلة للغاية، وهو ما دفع عشرات الآلاف منهم إما إلى الهجرة الخارجية والعمل فى الخليج وأوروبا وإما إلى الهجرة الداخلية بالعمل فى المستشفيات الخاصة أو حتى خارج المجال الطبى ككل.
وإذا كانت الحكومة ومن معها مع الإعلاميين والسياسيين لا يتوقفون عن الكلام عن الصحة والتعليم باعتبارها أساس أى تنمية أو تقدم، فلماذا لا نعيد النظر فى بنود الإنفاق فى الميزانية العامة للدولة، لتحصل الصحة والتعليم على ما يكفى لتوفير الحد الأدنى من الخدمة، حتى لو كان ذلك على حساب أبواب أخرى للإنفاق؟
إنها فعلا مأساة أن تعانى دولة استطاع فيها 78 ألف طالب وطالبة من شعبة علمى علوم فى الثانوية العامة هذا العام الحصول على 95% فأكثر، من نقص فى الأطباء. فهذا الرقم يعنى أن لدينا كل هؤلاء الشباب الذين امتلكوا الطموح والمثابرة والقدرة على الجد والاجتهاد لتحقيق هذه النتيجة أملا فى دراسة الطب والعمل به فى أغلب الأحوال، ولكن الدولة غير مستعدة لزيادة ميزانيات كليات الطب التى لا تقبل أكثر من 9 آلاف طالب سنويا، وبالتالى نعانى من نقص الأطباء، ومن تحطم أمل عشرات الآلاف من الشباب الطموح المثابر فتكون الخسارة مضاعفة.
أخيرا، تخفيف حدة أزمة نقص الأطباء وقبلها نقص الأدوية والمستلزمات فى المستشفيات الحكومية، وكذلك حل أزمة التعليم فى مصر يحتاج إلى إعادة النظر فى ترتيب أولويات الدولة المصرية أكثر مما يحتاج إلى مبادرات إعلامية وتجارب شكلية يدرك الكثيرون أن العائد منها أقل كثيرا من تكاليفها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved