لعنة الحداثة

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 24 يوليه 2020 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

في عام ١٩٣٩ من ضمن عدة كتب تم التركيز فيها على موضوع الحداثة ومن أهم ما صدر كان كتيب تحت عنوان "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم"، حاول صاحبه الوقوف على أسباب التخلف المنتشر فى منطقتنا وقد وضح هذا التخلف بصورة كبيرة بعد ظهور ما سمى «عصر الحداثة». ومنذ ذلك الوقت بدأ الناس يلاحظون الفارق بين الشرق والغرب، وانتبهوا إلى الركود والاضمحلال الفكرى الذى انعكس على كل مجالات الحياة. وهنا ثار السؤال لماذا؟ وهنا سنحاول أن نعرض بعض الأسباب ــ بحسب رأينا.
***
أولا: غياب أى محاولة للنهضة على طول أكثر من قرن من الزمان، منذ القرن التاسع عشر تقريبا، والسبب بحسب رأينا أنها كانت محاولات غير مبنية على أسس موضوعية أو علمية أو فكرية، بمعنى لم يكن لديهم منهجا واضح المعالم للنهضة المرجوة. لذلك تخبطوا بين تقليد الحداثة الغربية، وبين نقيض عربى إسلامى للنهضة مفترض.
ثانيا: محاولات صنع نهضة محلية عربية إسلامية.. وإذ بهم يتخبطون من النقيض إلى النقيض من توجهات متناقضة كالسلفية الجهادية من ناحية وبين القومية العربية من الناحية الأخرى وثالثة الليبرالية العربية، وعلا شخصيات مثل محمد عبده وفرح أنطون ورشيد رضا وعلى عبدالرازق. ففى معظم هذه الحالات لم يتم النظر إلى الحداثة كضرورة ومنتج، أو منتج محلى من صميم وإبداع وابتكار المنطقة، بل كانت الحداثة حالة مستوردة، فهى منتج للآخر الغربى، منتج أجنبى يعوزه الانتماء الأصيل إلى هذه الأرض وهذا الوطن، لذلك أضعنا ومازلنا نضيع أثمن الأوقات للإجابة على سؤال: هل كان يجب أن نطبق هذا المنتج ونستهلكه أم لم يجب أساسا أن نستورده، ومازال هذا السؤال قائما حتى اليوم.
حيث قدمنا منتجات الحداثة الأوروبية الأمريكية، مع تعميق الشعور الدفين بالدونية «تجاه الآخر» ولم يفض هذا الوضع البائس إلى اجترار وإعادة إنتاج الأمر الواقع فقط بل إلى جر المنطقة إلى ميدان جهنمى يتصارع فيه اليأس مع التطرف مع العنف مع التسيب الأخلاقى.
ثالثا: الفكر الدينى العميق فى الصدور إرث العصور الوسطى الذى يقسم العالم إلى دار حرب ودار سلام، وهذه العقيدة تتماهى مع قراءة تظهر المسلمين وكأنهم واحد لا يتجزأ، والفكر الإسلامى وكأنه كتلة مصمتة وثابتة عبر الأزمنة والأمكنة فى كل الأحوال مما يعكس نزعة متقوقعة على الذات، وإدراكا خاطئا ومغلوطا للهوية، وهاجسا بمركزية الأنا.
وهذه المنظومة تعمل على تعميق العزلة سواء على مستوى اغتراب العرب والمسلمين كأفراد ومجتمعات عن الأفراد والمجتمعات الأخرى، وخاصة مجتمعات الحداثة الأوروبية كمفهوم إنسانى قبل أى شىء آخر. ولقد صار هذا الاغتراب عقبة كأداء رافقت كل المحاولات التحديثية والنهضوية فى المنطقة، ولقد ساهم كل ذلك فى تكبيل أى محاولة للتحديث، والحكم عليها بالفشل كحكم مسبق، وصار هذا الموقف أشبه بنافذة نراقب من خلالها الآخر وإنجازاته.
رابعا: وجود نزعة مشابهة متعالية وعنصرية فى الغرب: هاتان النزعتان المتعاليتان خلقا علاقة مصطنعة ومضطربة بين الغرب والشرق، وهنا علينا أن نلاحظ أن الحداثة ليست شيئا موجودا وملموسا هناك فى الغرب، وليست قضية متجانسة وواضحة المعالم، وكذلك ليست حتمية تاريخية، أو ملكا حصريا لجهة ما، لكن فى الحقيقة والواقع هى تسمية لاحقة لسلسلة من الظواهر التى تراكمت تتناقض وتتشابه وتتفاعل مع بعضها البعض، لكن المغالطة الكبرى هى عندما يتحدث البعض عن الحداثة وكأنها كتلة من الشرور، التى تجعلنا نتقزز، أو العكس أنها أعظم حدث فى الوجود أو كتلة من الإنجازات التى تجعلنا ننبهر بشدة.
لكن لكى نفهم الحداثة علينا أن ننزع منها تعقيداتها وظروفها التاريخية والاقتصادية دون الخوض فى مقوماتها وشروط تحققها، مع دراسة حجم نتائج هذه الظاهرة، ومدى قوتها، وهنا علينا أن ندرك أن نتائج الحداثة لم تكن محددة ومعروفة سلفا فى الغرب الذى خاض صراعا مريرا على مدى قرون.
خامسا: ما يميز الظواهر الحداثية هو الإبداع الذاتى والتغيير الذى يتجاوز ميراث العصور الوسطى، إضافة إلى الروح الثورية المتمردة، وخصائص الصراع وحتميته، وكما هو معروف أن نتيجة الصراع تكون معتمدة على قوة الطرفين المتصارعين، وعلى قدرتهما على تدشين وتأسيس مقاومة التغيير.
سادسا: عوامل مقاومة التحديث فى الوطن العربى.. من أهم عوامل المقاومة هو القحط الإبداعى، فالذات قبل الحداثية فى منطقتنا ذات متضخمة جدا، وهى ترى فى بناء أى ذات حداثية تهديدا لها، وهذا ما يفسر ردود الأفعال المتطرفة تجاه التغيير فى بلدان المنطقة، التى أدمنت على الحداثة فى صورتها الاستهلاكية، فكل سعيهم نحو الحداثة يقابله نكوص رجعى إلى ما قبلها، وكل تماثل مع الحداثة يخترع له نموذج من التراث، إن موقفنا من الحداثة ترك أثارا سلبية تدخلنا فى دوامة عبثية تعيق اندماج منطقتنا بركب الحضارة البشرية، وقد أطلق أحد فلاسفتنا على هذه الظاهرة «لعنة الحداثة» إنها لعنة تصيب المنطقة وتستفحل فى العقلية السائدة، لتجعل منا شعوبا مصابة بـ«حمى التماثل» التماثل مع صور متخيلة ومتضادة مع الغرب الحداثى أو مع الشرق العتيق الأصيل وكل هذا يبعدنا عن التحضر كلما مر بنا الزمان بدلا من سعى حثيث ومبتكر للنهوض من التخلف.
***
والنتيجة هل هناك أمل للوصول للحداثة.. هنا نحتاج إلى تعاون إنسانى عقلانى عابر للحدود، يخلص الذات من الأنا، ويسهل انفتاح البشرية على بعضها البعض، بعد أن تتخلى عن الاستعلاء العنصرى واحتكار الحقيقة.



هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved