ثورة جديدة فى الشرق الأوسط

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 24 يوليه 2021 - 6:30 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مقالا للكاتب جون ألتيرمان يتناول فيه تأثير التحول العالمى للطاقة المتجددة على دول الشرق الأوسط... نعرض منه ما يلى:
يقترب حدوث تحولات فى الطاقة العالمية، بعد أن انتشر الوعى بالتغير المناخى وحث المستهلكين والحكومات على التخلى عن الطاقة الهيدروكربونية. شعر العالم المالى بهذا التحول وابتعد عن النفط والغاز، وبدأ المستثمرون يضخون المليارات فى مصادر الطاقة المتجددة، وأدركت الصين أن الطاقة المتجددة ضرورة لأمنها القومى. قريبا سيتجاوز إنتاج النفط الطلب، ومع انخفاض الأسعار سينتج المنتجون المزيد من النفط لتعويض الخسارة، وأسعار النفط سوف تهوى إلى الحضيض.
هناك رأى يقول أن انتقال الطاقة سيستغرق عقودا، والبنية التحتية للطاقة الهيدروكربونية ستضمن وجود سوقا قويا لسنوات عديدة. ومع كل الاهتمام الذى تحظى به السيارات الكهربائية، فإن 90% من إنتاج السيارات يظل معتدا على النفط وماتزال المنازل تعتمد على أفران ومواقد الغاز. يعتمد كل وقود الطائرات فى العالم تقريبا على البترول، وأصبح العالم أكثر اعتمادا على المواد البلاستيكية المشتقة من النفط. وإذا نظرنا إلى العالم النامى، حيث يعيش معظم سكان العالم، سنجد أن استهلاكهم يزيد مع زيادة الدخل، ومن المرجح أن تعتمد تلك الدول على التكنولوجيات والمعدات الموجودة حاليا لفترة طويلة. وفى حين أنه فى مقدور الأثرياء الإنفاق على الاقتصاد الأخضر، سيظل الوقود هو المتاح وميسور التكلفة بالنسبة لكثير من سكان العالم.
هذان الرأيان يدعمهما حججا معقولة، ولا أحد يمكن الجزم حول مصير التكنولوجيا أو القوانين أو أنماط الاستهلاك. ولكن قد تشكل هذه التحولات أهمية خاصة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط. فعائدات النفط والغاز تدفع اقتصاد المنطقة؛ حيث تتكون المنطقة بشكل شبه كامل من دول مصدرة للطاقة أو العمالة. ترسل الدول الفقيرة العمال إلى الدول الغنية، ويرسل العمال المليارات إلى أوطانهم وعائلاتهم... الاهتمام الاستراتيجى العالمى بالمنطقة مرهون بإنتاج الطاقة. وفى حين سيبقى الدين والسياحة فى المنطقة فى أذهان الشعوب، إلا أن بالنسبة للحكومات فأهمية المنطقة تأتى مما تملكه من طاقة.
فكرة أن أسعار النفط ستنخفض بشكل كبير هى بسبب أن النفط له سوق، والاختلالات الصغيرة لها عواقب كبيرة. يبلغ استهلاك النفط العالمى اليوم نحو 100 مليون برميل فى اليوم، وهناك قدرة قليلة نسبيا على إنتاج المزيد. عندما هدد الاستهلاك بتجاوز العرض فى عام 2008، وصل النفط إلى 140 دولارا للبرميل. عندما أدت جائحة كورونا إلى كبح الطلب فى ربيع عام 2020، بدأ مخزون العالم فى النفاد، وانخفضت أسعار النفط. تلقت المملكة العربية السعودية الضربة الأكبر، حيث خفضت الإنتاج بنحو 20 فى المائة بينما استمرت الأسعار فى الانخفاض دون 30 دولارا للبرميل.
من شأن أى انخفاض مستمر فى الاستهلاك العالمى، مهما كان حجمه، أن يضغط على دول الخليج لزيادة الإنتاج كمحاولة لإزاحة منتجى النفط ذات التكلفة المرتفعة من السوق وإثبات تحكمهم فى السوق حتى لو انخفض سعر برميل النفط أو انخفض الاستهلاك أكثر.
لا نعرف من سيكون الرابح والخاسر فى العقد القادم فى الشرق الأوسط. قد تعوض زيادة الإنتاج من النفط منخفض التكلفة انخفاض الأسعار، وسيعيد التركيز الاستراتيجى على المنتجين فى الشرق الأوسط. أو قد تقع مسئولية ضبط السوق على عاتق المنتجين فى الشرق الأوسط، الذين سيحتاجون إلى تقييد الإنتاج لمنع الأسعار من الانهيار.
حاولت جميع الحكومات فى الشرق الأوسط الاستعداد لعالم مع بعد النفط، ولكنها مازالت بعيدة عن أهدافها. فى دول الخليج، الانتقال عبر مرحلة إنتاجية مرتفعة مع أجور عمال منخفضة إلى مرحلة إنتاجية منخفضة مع أجور مرتفعة ستستغرق وقتا. يكافح القطاع الخاص لتوفير فرص للقوى العاملة الجديدة، مع وجود نسبة بطالة أكثر من 30% فى بعض دول الخليج. الشعور بالاغتراب لدى الشباب مشكلة تعانى منها الحكومات العربية منذ أحداث الربيع العربى، ولم تتعامل معها أيا من الحكومات بشكل جذرى.
تحولات الطاقة مهم للاعبين خارج الشرق الأوسط. حرص الصين على تحقيق أمنها من الطاقة يقود الكثير من الاستثمارات فى المنطقة. إذا قررت الحكومة الصينية أن أمن طاقتها معتمد على مناجم إفريقيا وليس من آبار فى الشرق الأوسط، فيجب أن نتوقع تحول فى اهتمامات الصين ورأس المال. إذا استمر النفط والغاز فى لعب الدور الرئيسى فى لعبة الطاقة العالمية، فمن المرجح أن يحدث المزيد من التنافس الأمريكى الصينى لبسط النفوذ على المنطقة. من الممكن أن تبتعد الدول الغربية عن الهيدروكربونات لأسباب بيئية، بينما تظل الصين والعالم النامى معتمدين عليها لأسباب اقتصادية. قد يتجلى هذا فى صورة تخلى الولايات المتحدة عن دورها المستقبلى فى الشرق الأوسط، بينما تحاول الصين سد الفراغ.
ما يعد مهما هنا هو التساؤل حول قدرة حكومات الشرق الأوسط على التعامل مع هذه التطورات؟. فالدوافع الرئيسية لتحول الطاقة العالمى يأتى من خارج المنطقة، وسيكون لها تأثيرات كبيرة على المنطقة وعلى علاقات المنطقة ببقية دول العالم.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved