القرضاوى والإخوان.. قراءة فى جدلية الشيخ والحركة (3)

حسام تمام
حسام تمام

آخر تحديث: الأربعاء 24 أغسطس 2011 - 9:44 ص بتوقيت القاهرة

 لقد مكنت القرضاوى جرأته كفقيه على التعاطى مع عدد من الإشكالات الفقهية التى كانت عقبة أمام تطور الحركة فى بعض مراحلها؛ خاصة مسائل الفقه السياسى، فجاء القرضاوى ليفكك للحركة هذه الإشكاليات ويقدم لها المخرج اللازم مثلما فعلت فتواه بجواز نشأة الأحزاب السياسية وتعددها (باعتبار أن الأحزاب فى السياسة مذاهب فى الفقه)، وبحق المرأة فى ممارسة السياسة تصويتا وترشيحا.

ولم يكن القرضاوى فى حركة الإخوان مجرد فقيه تلجأ إليه فى مسائل الفقه الخاصة، كما لم يتوقف دوره عند تلبية حاجات الحركة من الفقه الميسر (بفتح السين) والميسر (كسرها)، بل كان فيها داعية مبرزا تهتز له أعواد المنابر وتتأثر لخطبه ومواعظه البليغة الفاعليات والملتقيات الإسلامية الخاص منها بأعضاء الحركة ومحازبيها أو المفتوحة لجمهور الصحوة الإسلامية وهو وجه آخر ومهم من وجوه القرضاوى التى أثرت فى علاقته بالحركة الإسلامية.

ليست هناك إحصاءات موثقة كما ليس ممكنا الحديث عنها أصلا؛ لكن بالإمكان وبقدر لا بأس به من الثقة القول بأن القرضاوى كان الداعية الأكثر تأثيرا فى تاريخ الحركة الإسلامية اعتمادا على كونه صاحب الباع الأكبر فى هذا المجال عبر آلاف الخطب والدروس والمحاضرات التى ألقاها فى الخاص والعام من عمل الحركة منذ أن عمل بقسم نشر الدعوة فى بداية حياته وطوال أكثر من ستين عاما.

لقد بدأ القرضاوى الخطابة ودروس الوعظ ولم يتحصل بعد على الشهادة الثانوية، فخطب فى مسجد قريته ولم يزل ابن السادس عشر عاما واشتهر حتى تسمّى المسجد باسمه، ثم استمر فى الدعوة واعظا وخطيبا فى الجامعة الأزهرية وفى صفوف الحركة الإسلامية التى كانت تستعين به فى عمل قسم نشر الدعوة، وحتى حين استعانت به فى قسم الاتصال فى العالم الإسلامى فقد كان دوره دعويا يقوم على إعطاء دروس الوعظ والتعريف بالفكرة الإسلامية خارج القطر (كما يحكى فى مذكراته عن رحلته الأولى إلى الشام)، وفى محبسه مع الإخوان فى محنتهم الثانية إبان صدامها الأول مع النظام الناصرى عام 1954 كان القرضاوى الإمام الذى يصلى بأبناء الحركة والداعية الذى يخطب فيهم ليبثهم معانى الإيمان والصبر والثبات وكانت هذه مهمته الأولى وربما الوحيدة إذا اعتمدنا مذكراته الشخصية.

يذكر له تاريخ الحركة الإسلامية فى نشأتها الثانية فى عقد السبعينيات فى مصر أنه كان الداعية الأكثر تأثيرا فى الجماعات الإسلامية التى نشأت فى الجامعات المصرية هذه الفترة، وأنه تقاسم مع الشيخ محمد الغزالى الذى كان يسبقه سنا ولم يكن قد غادر البلاد وقت المحنة الناصرية، مهمة التأثير فى القطاع الأكبر من هذه الجماعات بما أدى إلى نقلها تدريجيا إلى تيار الإخوان المسلمين ثم تنظيمها.

كان القرضاوى أول خطيب لصلاة العيد الجامعة التى أعادت الجماعات الإسلامية إحياء سنة إقامتها فى الخلاء، فخطب أول خطبة صلاة عيد الفطر فى الخلاء فى ميدان عابدين عام 1976 والتى صارت من بعدها تقليدا ثابتا، كما خطب فى العيد التالى فى استاد الإسكندرية.

استمر القرضاوى فى عمل الداعية حتى بعد أن استقر أستاذا فى جامعة قطر، ولم يصرفه العمل البحثى والكتابة عن القيام بعمل الداعية من خطابة ووعظ، بل لم يتوقف عن هذا العمل حتى بعد أن بدأ يحل ضيفا على البرامج الدينية فى محطات التلفاز والفضائيات. فرغم أن أكثر من أربعين مليون مسلم عبر العالم كانوا يتابعونه عبر برنامج الشريعة والحياة فى فضائية الجزيرة الشهيرة مازال القرضاوى ملتزما بدور ومهام الداعية فى أبسط صورها؛ فلا يتخلف عن خطبة الجمعة فى مسجده الشهير بالعاصمة القطرية الدوحة (مسجد عمر بن الخطاب) إلا لسفر أو مرض.

لا يعترف القرضاوى بأن وسيلة من وسائل الدعوة يمكن أن تغنى عن أخرى، ولا يقبل أن يتوقف عن درس دعوى يحضره عشرات أو حتى مئات الناس لحساب برنامج فى قناة يشاهده الملايين.
بل لا ينفصل القرضاوى الإنسان عن الداعية حتى فى عطلات الصيف وإجازات السياحة، فهو فى كل بلد يزوره يحل ضيفا على الحركة الإسلامية الممتدة فى أنحاء العالم العربى وفى المهاجر؛ يدعوه أبناؤها فى مناشطهم وفاعلياتهم الخاص منها والعام ليقوم بينهم خطيبا وواعظا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved