أنطونيو جوتيريش يقدم خطة طموح لإصلاح النظام العالمي متعدد الأطراف

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الجمعة 24 سبتمبر 2021 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع World Politics Review مقالا للكاتب ستيوارت باتريك تناول فيه ما طرحه الأمين العام للأمم المتحدة من وثيقة يسعى من خلالها مواجهة التحديات الجديدة والمستقبلية، فدور الأمم المتحدة لا يجب أن يقتصر على حماية الأجيال القادمة من الحروب فقط فى ظل صعود تحديات ومشاكل أخطر منها.. نعرض منه ما يلى.

اجتاحت الكآبة احتفال الأمم المتحدة بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها فى شهر سبتمبر من العام الماضى بسبب الجائحة، والأزمة المناخية، والتوترات الجيوسياسية، ونظرة الولايات المتحدة ــ أقوى أعضاء المنظمة ــ الكارهة للمنظمة. بعد عام، عادت الولايات المتحدة إلى العمل متعدد الأطراف. ولكن تبقى المسببات الأخرى لهذه الكآبة على ما هى عليه، لم يتم السيطرة على الجائحة، والاحتباس الحرارى وفقدان التنوع البيولوجى مستمران، وتعيق منافسة القوى العظمى التعاون الدولى.
فى خضام هذه العاصفة تأتى خطوات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. يسعى جوتيريش إلى الحصول من الجمعية العامة للأمم المتحدة على الدعم لرؤيته المتمثلة فى «نظام متعدد الأطراف أقوى وأشمل وأكثر تشابكًا»، على النحو المبين فى تقرير شامل جديد بعنوان «جدول أعمالنا المشترك». يصور التقرير الأمم المتحدة على أنها أساس النظام العالمى، مع الإقرار بالحاجة إلى الاستفادة من أطر التعاون المختلفة وقدرات الجهات الفاعلة غير الحكومية لتقديم المنافع العامة العالمية وإدارة المخاطر فى عالم مترابط. تشخص الوثيقة ما يؤرق العالم وطرق علاجه وتوضح مزايا النقاشات والجدالات.
•••
أصدرت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة العام الماضى إعلانا للمبادئ أعادوا من خلاله التزامهم بالتعاون الدولى، وكلفوا الأمين العام بصياغة تقرير حول المتطلبات التى يحتاجها التعاون متعدد الأطراف فى القرن الواحد والعشرين. قدم جوتيريش بعدها بعام «جدول أعمالنا المشترك» كمخطط طموح يعيد تصور النظام متعدد الأطراف.
يعلن التقرير أن الإنسانية «عند نقطة انعطاف تاريخية» تتجه إما «للانهيار» أو «الاختراق». تكمن جذور المشكلة فى تآكل الثقة الاجتماعية، والتى قوضت قدرة العالم على مواجهة الأخطار المشتركة مثل الجائحة أو التغير المناخى أو عدم المساواة الهائلة فى الاقتصاد والتكنولوجيا. يشير التقرير إلى أنه فى غياب التضامن وصلنا إلى نقطة تناقض كبيرة؛ فالتعاون الدولى مطلوب أكثر من أى وقت مضى ولكن يصعب تحقيقه أيضا عن أى وقت مضى.
لتحقيق الاختراقات، كما تقول الوثيقة، يجب على حكومات وشعوب العالم تجديد عقدهم الاجتماعى، ودمج مصالح الشباب والأجيال القادمة فى قراراتهم، وتحديث المؤسسات القائمة، واعتماد مؤسسات جديدة لتوفير المنافع العامة العالمية وإدارة المخاطر على هذا الكوكب المترابط والهش.
سيكون للتقرير ومقترحاته آثار كبيرة على إصلاح المؤسسات العالمية، بدءا من الأمم المتحدة.
لقد تأسست الأمم المتحدة «لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب». يركز تقرير «جدول أعمالنا المشترك» على نفس الشيء ويناشد الدول الأعضاء بالأمم المتحدة النظر فى مصالح شباب اليوم والمستقبل، ولكن لم يعد التحدى الوحيد هو الحروب. يشير التقرير إلى أن العالم هو موطن لأكثر من 1.8 مليار شاب، يعيش 90٪ منهم فى العالم النامى، ويستحقون أن تسمع أصواتهم ويكون لهم دور فى الحوكمة العالمية. يجب أن يعطى النظام متعدد الأطراف الأولوية للعدالة بين الأجيال، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ. سيعين جوتيريش مبعوثا خاصا جديدا للأمم المتحدة للأجيال القادمة للحفاظ على الأفكار طويلة الأمد، وسيؤسس «مختبر المستقبل» يعمل به خبراء يبصرون احتياجات المستقبل، ويدفع الدول الأعضاء لإصدار إعلان بشأن الأجيال القادمة.
يطرح التقرير أيضا صفقة جديدة لتقديم السلع العامة العالمية ومعالجة المخاطر الرئيسية، وتحسين العمل الجماعى فى الأربعة مجالات العالمية المشتركة المعترف بها دوليا: المناخ، وأعالى البحار، والقارة القطبية الجنوبية، والفضاء الخارجى، والذين يواجهون أزمات عميقة. وفى نفس الوقت على دول أعضاء الولايات المتحدة توسيع تعريفهم وتوفير السلع العامة العالمية التى توفر المنفعة للبشرية جمعاء ولا يمكن للأسواق توفيرها.
•••
هذه خطوة جريئة من جانب جوتيريش، لا سيما أنه لا يوجد إجماع على ما يعد منفعة عامة عالمية، أو عددها. يحدد التقرير سبع سلع عالمية: «الصحة العامة العالمية» التى أضعفها الوباء بشكل واضح، «اقتصاد عالمى يعمل من أجل الجميع»، على عكس النظام غير المتكافئ والمتقلب الموجود اليوم، «كوكب صحى» يتمتع بمناخ مستقر وتنوع بيولوجى، «أجندة جديدة للسلام» قادرة على معالجة العنف على جميع المستويات، بدءا من الأسلحة النووية وصولا إلى العنف المنزلى، «فضاء خارجى سلمى وآمن ومستدام» بدلا من التنافس والتنازع الموجود اليوم، «المنصات الرقمية المشتركة» المفتوحة والآمنة التى تحمى حرية الإنسان وخصوصيته، و«التعاون الدولى المسترشد بالقانون الدولى».
يقترح «جدول أعمالنا المشترك» إصلاحات عملية فى جميع المجالات السبعة، لضمان استفادة جميع الدول والشعوب من هذه السلع العامة العالمية. على سبيل المثال، لمواجهة الأوبئة المستقبلية يدعو الاقتراح إلى تفويض أقوى وتمويل موسع لمنظمة الصحة العالمية، ومنصة أكثر قوة لمكافحة جائحة كورونا وتقديم اللقاحات بسرعة وإنصاف، وآلية دائمة للحفاظ على الصحة العالمية. لبناء اقتصاد عالمى مستدام ومنصف، يوصى الاقتراح بأن تتبنى الدول الأعضاء مقياسًا أكثر دقة للثروة العالمية من الناتج المحلى الإجمالى، وتوسيع الجهود المتعددة الأطراف للقضاء على التهرب الضريبى والتدفقات المالية غير المشروعة، واستضافة قمة كل سنتين بين قادة مجموعة العشرين وأعضاء المجلس الاقتصادى والاجتماعى للأمم المتحدة. لإنهاء «الحرب البشرية ضد الطبيعة»، يدعو التقرير جميع الحكومات إلى تسريع عمليات خفض الانبعاثات، وإعلان «حالة طوارئ مناخية»، واعتماد وتنفيذ آليات تسعير الكربون، وتوسيع التمويل للتحول للطاقة الخضراء، واتخاذ خطوات جادة تواجه الخسارة الكارثية للتنوع البيولوجى الذى يشهدها الكوكب حاليا.
يحذر التقرير من أنه «حيثما لا يتم توفير السلع العامة، يكون لدينا نقيضها من السيئات العامة العالمية فى شكل مخاطر وتهديدات خطيرة لرفاهية الإنسان». وتدعو الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة إلى «تعريف وتحديد المخاطر الكارثية والوجودية التى نواجهها بشكل أفضل» ــ وهى مهمة جارية بالفعل فى الجامعات ومراكز الفكر والمؤسسات ــ وتقترح أن تقوم الأمم المتحدة بإصدار تنبؤات استراتيجية وتقارير عن المخاطر العالمية وتقديمها إلى الدول الأعضاء كل خمس سنوات. كما توصى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بإنشاء «منصة طوارئ للاستجابة للأزمات العالمية المعقدة»، والتى يمكن «تفعيلها تلقائيًا بغض النظر عن نوع أو طبيعة الأزمة الموجودة». فى حين أن هذا الاقتراح الأخير مثير للاهتمام، إلا أن التقرير يفشل فى توضيح كيفية ارتباط هذه الهيئة بمجلس الأمن أو شرح كيف ولماذا يمكن لمنصة واحدة أن تكون قادرة على معالجة مجموعة غير متجانسة من الأزمات التى تشمل الأوبئة وعدم الاستقرار المالى والحرب الإلكترونية والهجمات البيولوجية... إلخ.
إذا كان تاريخ تقارير الأمم المتحدة السابقة الطموح يدل على شيء، فسيدل على أن العديد مما طمح إليه هذا التقرير لن ينفذ. ومع ذلك، فإن جوتيريش يستحق الثناء على ما قدمه من رؤية. وهو يخطط لتعيين «مجلس استشارى رفيع المستوى» لمساعدته على تحديد المنافع العامة العالمية والأطر المتعددة الأطراف اللازمة لتوفيرها. كما سيستضيف «قمة المستقبل» فى سبتمبر 2023، حتى تتمكن الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة من النظر فى مقترحات إصلاح ملموسة وأكثر تفصيلا. على أقل تقدير، أعطى جوتيريش للعالم أرضا يمكن البناء عليها فى المستقبل.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bit.ly/3u2byX1

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved