فرصة السعودية الضائعة

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الخميس 24 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كتب إيان بريمر وفوك جيرميك مقالا بعنوان «فرصة السعودية الضائعة» نشر على الموقع الإلكترونى لجريدة الفاينانشال تايمز تناولا فيه رفض المملكة العربية السعودية شغل أحد المقاعد غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، فللمرة الأولى فى التاريخ أصبحت السعودية أول بلد يرفض هذا العرض، وهو ما أثار صدمة دبلوماسية فى جميع أنحاء العالم.

وأشار الكاتبان إلى البيان العلنى لوزير خارجية المملكة الذى تحدث فيه عن فشل مجلس الأمن الدولى فى المساعدة على التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى، أو الحد من انتشار الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط. ولكن الأهم من ذلك، استند السعوديون إلى أن مجلس الأمن الدولى «يسمح للنظام الحاكم فى سوريا بحرق شعبه وقتله بالأسلحة الكيميائية، فى حين يقف العالم موقف المتفرج، من دون تطبيق عقوبات رادعة ضد نظام دمشق». وقالوا إن كل هذا «دليل قاطع وبرهان على عجز مجلس الأمن».

ونتيجة لذلك، أعلنت السعودية اعتذارها عن «عدم قبول عضوية مجلس الأمن، قبل أن يعاد تشكيل المجلس، وتمكينه على نحو فعال وعملى من القيام بمهامه ومسئولياته فى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين».

وكنا شهدنا فى سبتمبر، تلميحات لهذا الإحباط فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما كان من المقرر أن يتحدث وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ــ ولكنه رفض القيام بذلك، ورفض حتى توزيع مسودة خطابه على الحضور.

ولعل هذه الأولويات السياسية الرئيسية والرغبة فى إصلاح مجلس الأمن، هى الدافع الحقيقى وراء النفور السعودى. أو ربما كانت هذه التصريحات مجرد كلام منمق. وأيا ما كان الأمر، أرى أن تكتيكات السعوديين ليست الأفضل لصالحهم ــ أو لصالح المجتمع الدولى.

ويشير الكاتبان إلى تفسير آخر ساخر بأن البيان السعودى مجرد رطانة سياسية، وأن جوهر المسألة أن الرياض تخجل من العلنية. حيث يشعر السعوديون بالارتياح إلى السعى لتحقيق أهدافهم الإقليمية من خلال مجلس التعاون الخليجى والتعاملات الثنائية وراء الكواليس. فمن المنطقى أن تتردد المملكة فى أن تضع نفسها فى الصدارة لاتخاذ القرارات العامة الواضحة. ولكن إذا فضلت الرياض خصوصيتها، على الثقل الدبلوماسى الذى يضيفه المقعد إليها، فإنها ترتكب خطأ تكتيكيا كبيرا. حيث لم يكن انتخابها لعضوية مجلس الأمن صدمة. فقد أعرب السعوديون عن رغبتهم فى المقعد منذ سنوات وأدت المفاوضات داخل مجموعتهم الجغرافية فى الأمم المتحدة إلى انتخاب المملكة بلا معارضة. وكان من الممكن التلميح إلى تغيير موقفهم والتقليل من الصدمة. ومن الواضح أن القرار جاء من أعلى لأنه فاجأ حتى العديد من المسئولين السعوديين.

●●●

ويرى الكاتبان أن السعودية أرادت أن يكون لبيانها أكبر صدى ممكن، ورفضت مقعدها بهذه الطريقة للفت الانتباه. وعلى أى حال، لا يمكن إنكار ملاحظات السعودية، فهى محقة تماما فى أن مجلس الأمن غير فعال وتركيبته عفا عليها الزمن. حيث يمتلك الأعضاء الخمسة الدائمون الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والصين وروسيا سلطة حق النقض (الفيتو)، ومن الصعب للغاية أن يصل اللاعبون الأساسيون إلى إجماع، كما أن هذه السلطة لا تعكس مصالح الجماعة الدولية الأوسع نطاقا.

وينتقد الكاتبان موقف السعوديين فلو كانوا يريدون هيئة دولية أفضل فما فعلوه يكون خطأ تكتيكيا كذلك. ففى عالم يفتقر إلى قيادة عالمية، لن يكون لدينا سوى الأمم المتحدة. وفى غيابها، لن تظهر منظمة عالمية فعالة تتولى القيادة. وبالتالى، لا يمثل رفض المشاركة، وشجب تصرفات مجلس الأمن الدولى الطريق الأفضل للتقدم ــ وإذا كانت المملكة العربية السعودية تريد ارتكاب عمل أخرق للفت الانتباه إلى التراخى الدولى فى الشرق الأوسط وأوجه القصور فى مجلس الأمن كان ينبغى أن تمارس هذا داخل اطار الامم المتحدة.

 ولكن ماذا عن حق الفيتو للأعضاء الدائمين، الذى قالت إنها سرعان ما ستعمل ضده؟ يبدو أنه موقف معد للالتفاف عليه، حيث إن ممارسته سوف تثير حتما حفيظة بعض الحلفاء الرئيسيين للمملكة العربية السعودية.

●●●

ويضيف الكاتبان، يستطيع السعوديون تمرير مقترحات سياسية معينة مثل «العقوبات الرادعة ضد النظام السورى» التى كانوا يطالبون بها، ففى حالة فشل مجلس الأمن «فى حفظ السلام والأمن الدوليين» يجوز للجمعية العامة للأمم المتحدة الدعوة إلى جلسة خاصة طارئة وإصدار أى توصيات تراها ضرورية بثلثى الأصوات، ومع غياب حق النقض سيكون هذا الإجراء أكثر فعالية بكثير فى احتمال إحداث التغييرات التى يسعى إليها السعوديون. ولكن حتى لو لم ينجح، فسوف يؤدى إلى إجبار 193 دولة معترف بها فى العالم فى التصويت لصالح السعوديين أو ضدهم أو الامتناع عن التصويت ــ وبالتالى كسب المزيد من الاهتمام الدولى الكبير.

 والأهم أن ذلك، سيكون خطوة نحو «إصلاح وتفعيل» الهيئة دولية على النحو الذى يتخيله السعوديون. حيث يمنح التصويت الأممى نفوذا هائلا للبلدان الصغيرة، مع معاملة كل الأصوات على قدم المساواة. وبطبيعة الحال، لا يزال هذا بعيدا كل البعد عن الديمقراطية الحقيقية، مع إمكانية شراء الدول الكبيرة ولاء الدول الصغيرة عبر المساعدات وغيرها من المغريات. لكن ذلك أقرب إلى الحكم الجماعى من نموذج مجلس الأمن الدولى الجامد، حيث يمتلك خمسة بلدان جميع الأوراق. وفى حقبة ما بعد الحرب الباردة، ربما كان عقد المجلس جلسات طارئة مثل هذه مشابها لإشعال معركة بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى. ولكن فى عالم اليوم، حيث لا تستطيع قوة عظمى تحديد جدول الأعمال العالمى بمفردها، كما أن الائتلافات بين البلدان الكبيرة والصغيرة التى تخرج عن جاذبية القوى الكبرى تعتبر قفزة نحو اللامركزية فى صنع القرار فى الأمم المتحدة.

●●●

ويشير الكاتبان إلى أن الرياض كان بإمكانها أيضا استخدام المادة 11 من ميثاق الأمم المتحدة التى يتم تجاهلها كثيرا وهى تعطى الجمعية العامة الحق فى تقديم توصيات إلى مجلس الأمن لاتخاذ تدابير تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين. ومن شأن مثل هذا الإجراء، أن يكون بمثابة التوجيه المعنوى من جانب المجتمع الدولى إلى مجلس الامن كى يوحد موقفه. ومن المؤكد أن هذا سوف يحدث هزة فى الأمم المتحدة، تضاف إلى الجدل الدائر بالفعل حول كيفية إعادة التوازن بين الأجهزة الرئيسية للمنظمة، وفقا للمبادئ ميثاقها.

 وفى الختام يرى الكاتبان أن الأمم المتحدة أبعد ما تكون عن المثالية كهيئة إدارة دولية ــ ولكن ليس هناك ما يضاهيها. ولا يمكن أن نسمح بأن يكون الكمال عدوا للخير. وهناك مجال كبير للتحسن فى إطار الأمم المتحدة، يمكن أن يجعل منها قيادة عالمية حقيقية على نحو أفضل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved