من أجل ماذا ضحت أمة العرب؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 24 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هل كان فهمنا لتاريخ النضال ضد المستعمر فى أرض العرب فهما صحيحا؟ لقد فهمناه على أنه كان رفضا مطلقا للعبودية والاستغلال وأنه كان عطشا مطلقا للحرية والكرامة. ومن المؤكد أننا لم نفهمه فقط كنضال ضد أناس أغراب، لا يتكلمون لغتنا، ولا يحملون ثقافتنا، وبالتالى لا يحق لهم أن يحتلوا أرضنا ويمارسوا نهب ثرواتنا ويستبيحوا كرامتنا الإنسانية.

 لكن الآن، وبعد مرور العقود من السنين على تحرير أوطاننا وشعوبنا من دنس الاستعمار الخارجى والمستعمرين الأغراب، نحتاج أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال: هل كان نضالنا ضد الاستعمار حبا فى الحرية والعدالة والمساواة والكرامة، أم كان كرها فى حكم الأغراب؟

نطرح هذا السؤال لنعرف إن كان الموضوع بالنسبة للشعوب العربية، قديما وحديثا هو مفاضلة بين الخارج والداخل وانتصار للداخل (أنا وابن عمى على الغريب) أم أن الموضوع هو إيمان عميق وتمسك لا يهتز ولا يضعف ولا يساوم بقيم سماوية وإنسانية تضع الكرامة الإنسانية وحرية البشر والقسط والميزان وعدالة الأنظمة والمساواة فى الحقوق والمواطنة فوق كل شيء آخر، بما فى ذلك الحياة إذا كانت تحت العبودية بكل أنواعها.

●●●

إذا كان الموضوع هو إعلاء القيم السماوية والإنسانية الكبرى فإن المنطق يقول بأن نضالات الشعوب من أجل تحقيق تلك القيم فى الواقع المعاش لا يهمها إن كانت الجهة التى تعتدى على تلك القيم هى من الخارج الاستعمارى أم كانت من الداخل الاستبدادى الاستغلالى. إن الظلم هو الظلم سواء مارسه الحاكم الإنجليزى أو الفرنسى أم مارسته قبيلة متسلطة، أم مارسه مذهب طائفى متخلف أم عساكر سارقون للسلطة والحكم.

نعود إذن فنطرح السؤال: هل كان فهمنا لتاريخ نضالنا ضد الاستعمار خاطئا؟ لن يكون الجواب سهلا ولا قاطعا. لكن نلاحظ أن شعوبا ضحت بالملايين من الشهداء والجرحى والمسجونين والمنفيين عبر العديد من سنوات الصراع المر ضد المستعمر الأجنبى لا يمكن إلا أن تكون قد وصلت إلى عدم القابلية للتنازل عن حقوقها الأساسية الكبرى فى الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، أيا كانت الجهة التى ستسلبها تلك الحقوق، وتحت أى غطاء خادع يتم ذلك الاستلاب.

لكن تلك النتيجة البديهية لم تتحقق فى الواقع العربى. فعبر ستة عقود من الاستقلال الوطنى تعايشت شعوب الأمة بهدوء وقبول محير مع كل أنواع الظلم والاستبداد الداخلى. هل كان ذلك بسبب تاريخها الطويل تحت كل أطياف الملك العضوض الذى باع واشترى العباد ورسخ خوفا مرضيا فى النفوس، أم كان بسبب عادة الانغلاق الثقافى اللا عقلانى المتزمت لمفاهيم القبيلة والمذهب والدين وأيديولوجيات الآخرين المستعارة  والمشوهة؟ المهم أن كل ذلك قد أوجد لنا مجتمعات لا تعرف كيف تحسم الأمور وتعيش فى عالم الثنائيات المفتعلة العبثية المتعارضة دوما، وبالتالى لا تستطيع تقديم الأولويات والأصول على الفروع والهوامش.

●●●

لكن جاء مد الربيع العربى المبهر وقال الكثيرون بأن جدار الخوف التاريخى قد حطمه شباب الثورات والحركات، وأن أولوية الأولويات للأمة قد اتضحت تماما للجميع: إنها الانتقال إلى الديمقراطية الإنسانية فى السياسة والاقتصاد والاجتماع كشرط وجودى لأمة لم تذق طعما مثل تلك الديمقراطية عبر القرون الطويلة الموحشة. لقد ظننا بأن تضحيات شباب الأمة من أجل هذه الديمقراطية لن تهدر فى هذه المرة مثلما أهدرت سابقا تضحيات الأمة كلها من أجل حرية الأوطان وساكنى الأوطان لتنتهى فى عبثيات حكم الاستقلال.

لكن الهدر لتلك التضحيات القديمة والحديثة يحدث اليوم أمام أعيننا بصورة مفجعة حتى فى الأقطار التى فجرت ثورات الربيع العربى. مرة أخرى يضحى بالمبادئ والشعارات والأهداف التى رفعتها ثورات وحركات الربيع العربى فى صخب صراعات الثنائيات الذى لا يهدأ: الدين أم العلمانية، الحكم المدنى أم العسكرى، البطل القائد القوى أم جميع الناس وهى تجرب وتتعلم، التضحية بالاقتصاد أم التضحية بالسياسة إلخ... من جدل عقيم يصرخ به إعلاميون مجانين ليل نهار.

●●●

انظر إلى مصر. هل خرج الثلاثون مليونا فى 30 يونيو لممارسة الانتقام والتهميش والاستئصال لهذه الجماعة أو تلك، أم لتعديل مسار حكم ارتكب الكثير من الأخطاء والخطايا ومن ثم الرجوع إلى شعارات وأهداف ثورة 25 يناير من أجل الحرية والديمقراطية الحقة والكرامة والعدالة؟ هل أن الجموع خرجت لإدخال مصر فى دوامة سجالات الثنائيات وعبثية المقارنات بين أفضال هذا الحكم أو ذاك فى التاريخ وفى الحاضر؟ وإبان ذلك الصخب ينسى الناس الديمقراطية وينشغلون بالسيسى ومرسى.

أنظر إلى تونس. هل مشكلتها الملحة هى فى كيفية تقسيم كعكة الثورة بين حزب النهضة وباقى الأحزاب والنقابات أم فى كيفية إنقاذ الديمقراطية من خطر تشويهها وتدمير روحها على أيدى الطغاة من قبل والآن على أيدى قوى سلفية متزمتة تمارس العنف وتريد أن تتحكم فى حريات العباد؟

انظر إلى سوريا وكيف انتهت ثورتها من أجل الديمقراطية لتكون رهينة فى يد جيوش من التكفيريين الجهلة الذين يرتكبون أفظع الخطايا باسم قرآن الرحمة ورسالة محمد الإنسانية.

انظر إلى ليبيا واليمن والعراق ولبنان والسودان ودول مجلس التعاون والجزائر. لقد ضاعت أحلام الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة فى جحيم الصراعات العبثية الممجوجة.

هل ينطبق علينا قول بطل العبثية فى رواية كافكا الشهيرة (المحاكمة) من: أنه كثيرا ما يكون القيد أفضل للإنسان من الحرية؟» أمن أجل الوصول إلى مثل هذا الوضع العديم استشهد وضحى ملايين العرب؟

 

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved