مواجهة متصاعدة بين إسرائيل وغزة

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الخميس 24 أكتوبر 2019 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة صدى التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب «هانى البسوس».. جاء فيه ما يلى:

إن سلسلة الأحداث الأمنية والتصعيد العسكرى على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل تُنذر بفقدان حركة حماس جزءا من سيطرتها الأمنية الكاملة على القطاع. وقد شهدت الأشهر الماضية سلسلة من الهجمات الصاروخية وعمليات التسلل والاشتباكات المسلحة على الحدود الشرقية لقطاع غزة والتى تُعتبَر استثنائية فى الحجم مقارنة بالأعوام الماضية. وكان أهمها يوم 25 مارس 2019 عندما سقط صاروخ بعيد المدى أُطلِق من جنوب غزة على منزل فى تل أبيب وأسفر عن إصابة سبعة إسرائيليين من العائلة نفسها. بينما كانت أعنف مواجهة عسكرية فى 5 مايو 2019 ولمدة يومين متواصلين، حين أطلقت حركتا حماس والجهاد الإسلامى وبعض الفصائل الأخرى أكثر من 600 صاروخ باتجاه إسرائيل، بينما قصفت القوات الإسرائيلية أكثر من 300 هدف فى قطاع غزة. ولم تتوقف المناوشات إلا بعد تدخل مصر والأمم المتحدة للتفاوض على وقف لإطلاق النار.

يبدو أن حركة حماس تستخدم الصواريخ وغيرها من الوسائل العسكرية المختلفة وسيلة للتفاوض وإحداث توازن عسكرى بين الجانبين، الفلسطينى والإسرائيلى، بما يُرغم إسرائيل على ضبط قواتها فيما تسعى حماس إلى التهدئة، وهذا الوضع من شأنه الدفع نحو انطلاق مفاوضات جديدة. وكانت الحركة اتهمت إسرائيل بعدم الالتزام بالتفاهمات السابقة خاصة فيما يتعلق بتحسين الظروف الإنسانية القاسية فى غزة وإدخال أموال المساعدات القطرية إلى القطاع. ويبدو كذلك أن الحركة بدأت تفقد جزءا من سيطرتها لصالح فصائل ومجموعات مسلحة سلفية ومتشددة، حيث شهد شهر أغسطس تصعيدا عسكريا متقطعا وقُتِل أربعة أشخاص مسلحين ينتمون إلى تنظيم متشدد وهم يحاولون عبور الحدود إلى إسرائيل. وأعلن الجيش الإسرائيلى، وفقا لموقع «i24News» الإسرائيلى، أنه أحبط هجوما كبيرا، حيث إن عدد الأشخاص والأسلحة التى بحوزتهم تشير إلى أنها مجموعة منظمة ومعارضة لحركة حماس. وقد أكدت مصادر فلسطينية للموقع الإعلامى نفسه أن المقاتلين الأربعة ينتمون إلى خلية سلفية انشقت عن حماس قبل شهرين من العملية.
***
الوضع الراهن هو من نتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، وقد كانت حربا ضارية فى تاريخ الصراع العربى ــ الإسرائيلى وخلفت أضرارا مادية ومعنوية جسيمة فى كلا الجانبين ما زالت آثارها ماثلة. فبرغم الخسائر الفادحة فى الجانب الفلسطينى، إلا أن قوة الردع الإسرائيلية قد تآكلت، وبالتالى خضعت الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلى لقاعدة «الهدوء مقابل الهدوء»، مع التركيز على التعاطى الإنسانى مع الحاجات الأساسية لسكان غزة بالتنسيق مع المنظمات الدولية الإنسانية، خاصة تلك التابعة للأمم المتحدة.

لقد حاولت الحكومة الإسرائيلية تدجين حركة حماس فى غزة، حيث إنها فشلت عسكريا فى ردعها، وذلك من خلال تشديد الحصار على القطاع مع محاولة إدخال المواد الأساسية للحفاظ على الحد الأدنى للمعيشة الإنسانية فى غزة بموافقة ضمنية من السلطة الفلسطينية فى رام الله.

وقد حمل ذلك الوعد بالوصول إلى حالة دائمة من الهدوء ووقف إطلاق النار. بالمقابل تمكنت حماس من تطوير إمكانيات الجناح العسكرى للحركة (كتائب الشهيد عز الدين القسام) خلال فترة الهدوء النسبى والتى امتدت حتى بداية عام 2018. وفرضت الحركة سيطرة أمنية على القطاع من خلال مراقبة الحدود، بواسطة قوة عسكرية تم تشكيلها تحت مسمى «الضبط الميدانى»، ومتابعة نشاطات الفصائل الفلسطينية وأجنحتها المسلحة وأهمها سرايا القدس، وكتائب أبو على مصطفى، وكتائب شهداء الأقصى، ولجان المقاومة الشعبية، وألوية الناصر صلاح الدين.

وبالإضافة إلى ذلك، بدأت تظهر أزمة مالية خانقة بسبب الحصار، ولم تعد حماس ولا المؤسسات الفلسطينية ولا الفصائل قادرة على دفع مرتبات الموظفين والأعضاء، وتضاءلت القوة الشرائية وتدهورت الحالة الإنسانية ونتج إحباط شعبى تجاه الفصائل والمؤسسات العامة. وبالتالى ظهرت فصائل وجماعات مسلحة تعارض حكم حركة حماس وأهمها جيش الأمة، وجيش الإسلام، ومجلس شورى المجاهدين وهى جماعة سلفية جهادية، وكتائب المجاهدين وهى حركة سلفية، وحركة الصابرين وهى حركة شيعية، ولواء التوحيد وهى جماعة تنتهج فكر تنظيم داعش، وأنصار الله الإسلامية وهى حركة سلفية متشددة. وكانت حركة حماس قد تمكنت من تحييد الجماعات المتشددة لفترة طويلة من خلال قيامها بحملة اعتقالات كبيرة فى صفوف هذه المجموعات ومصادرة إمكانياتها القتالية عام 2016، إلا أن نشاطاتها العسكرية عادت وزادت خلال الأعوام اللاحقة واستقطبت، ضمن أعضائها، عددا من أفراد الفصائل الكبرى، خاصة أن بعض التقديرات الأمنية تُشير إلى تلقى بعض هذه الجماعات دعما خارجيا.
***
وفى محاولة لتغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل، شكلت حركة حماس، بالاشتراك مع معظم الفصائل المؤثرة (خاصة الجهاد الإسلامى والجبهة الشعبية وحركة الأحرار) واللجان الشعبية فى مارس 2018، حراكا شعبيا بقيادة اللجنة العليا لمسيرات العودة الفلسطينية والتى أحدثت إرباكا فى صفوف الجيش الإسرائيلى على الحدود الشرقية لقطاع غزة حيث شارك عشرات الآلاف من الغزيين فى مسيرات أسبوعية وُصِفت بالسلمية، إلا أنها جوبهت بقوة السلاح الإسرائيلى خشية اقتحام الحدود والوصول إلى المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة. لكن النتيجة كانت اشتداد الحصار والتضييق على قطاع غزة ومحاولة تجفيف منابع الدعم المادى واللوجستى للفصائل الفلسطينية، خاصة حركة حماس، وقيام الجيش الإسرائيلى بحملة على الأنفاق العسكرية التابعة للفصائل على الحدود الشرقية للقطاع. وكانت حركة حماس قد أنشأت الأنفاق خلال حرب عام 2014، ما اضطر الجيش الإسرائيلى للبدء ببناء جدار من الإسمنت المسلح بالحديد يصل طوله إلى نحو 65 كم، وبعمق متفاوت يصل غالبا إلى أكثر من عشرين مترا فى باطن الأرض به مجسات لتشخيص الأصوات عند حفر الأنفاق، بالإضافة إلى جدار علوى بارتفاع ستة أمتار، وأبراج مراقبة وكاميرات مرتبطة بمنشأة تحكم مركزية.
ويبدو أن كلا الجانبين، الإسرائيلى والفلسطينى، لا يرغب فى الدخول فى مواجهة عسكرية مفتوحة لأسباب مختلفة. ومن الاعتبارات الأساسية بالنسبة للجانب الإسرائيلى امتلاك الفصائل الفلسطينية، خاصة حركة حماس صواريخ ذات قوة تدميرية كبيرة قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلى والتسبب بأضرار مادية وبشرية كبيرة متوقعة. كذلك لا تريد القوات الإسرائيلية الدخول فى حرب استنزاف قد تصل إلى إعادة احتلال غزة والسيطرة عليها وإدارتها.

أما بالنسبة للفصائل الفلسطينية المسلحة، خاصة حركة حماس، فهى لا ترغب فى مواجهة عسكرية مفتوحة مع الجيش الإسرائيلى، لا سيما نظرا لهشاشة الوضع الإنسانى فى القطاع وعدم مقدرة حماس على تلبية الحاجات الأساسية والخدماتية لسكان القطاع، خاصة أن آثار الدمار التى خلفتها الحروب الماضية مازالت ماثلة. ومن شأن أى مواجهة مقبلة أن تكون أكثر جسامة وقد تؤدى إلى تدمير ما تبقى من البنية التحتية فى قطاع غزة خاصة على ضوء التوقعات بأن الحصار لن يُرفَع عن القطاع إلا بموافقة إسرائيلية. وتأخذ الفصائل الفلسطينية فى الاعتبار إمكانياتها العسكرية المتواضعة مقابل القوة التدميرية الهائلة التى يتمتع بها الجيش الإسرائيلى والتى قد تؤدى إلى دمار هائل وشلل كبير فى غزة. وهناك قناعة أيضا لدى حركة حماس بأنها فقدت الحاضنة العربية والإسلامية الرسمية وبأن بعض الدول العربية تريد إنهاء سلطة الحركة فى قطاع غزة.
***
مع ذلك، تبقى الفرصة مهيأة لاندلاع مواجهة عسكرية مفتوحة وموسعة بعد اكتمال بناء الجدار الأمنى العازل مع قطاع غزة والذى سيخفف الخسائر فى صفوف الجيش الإسرائيلى المتواجد على الحدود مع غزة ويحد من إمكانية تسلل عناصر الفصائل المسلحة، خاصة وأن حركة حماس تمكنت فى حرب عام 2014 من قتل عدد من الجنود الإسرائيليين وأسر آخرين من خلال الاعتماد على الأنفاق المؤدية إلى نقاط عسكرية إسرائيلية فى الجانب الآخر من الحدود. وستزيد فرصة اندلاع الحرب فى حال استمرت الفصائل الفلسطينية فى تعظيم قوتها العسكرية وأصبحت تمتلك أسلحة تهدد الأمن الإسرائيلى، خاصة أن هناك جماعات متشددة تناهض حكم حركة حماس وكذلك شخصيات عسكرية فى حماس والجهاد الإسلامى غير راضية عن الوضع الإنسانى والسياسى القائم.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved