الهاردوير المهضوم حقه

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 24 أكتوبر 2020 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

عندما يسألني الأصدقاء أو المعارف عن تخصصي في مجال الحاسبات وأخبرهم أنه الهاردوير فالرد يكون غالباً كالآتي: منهم من يسألني "تجميع أم صيانة؟" ومنهم من يقول "عاوز أشتري لابتوب تنصحني بإيه؟" ومنهم من يسأل "يعني بتعمل إيه بالظبط؟". هذه الردود تعكس نقص شديد في معلوماتنا عما تعنيه هندسة وتصميم الحاسبات أو الهاردوير في اللغة الدارجة المأخوذة عن الإنجليزية، وهذا المقال لتصحيح وتوضيح هذا المفهوم.

في مصر تخاف الشركات من العمل في مجال تصميم الحاسبات، وأنا استخدم كلمة الحاسبات هنا بمعناها العام وليس فقط اللابتوب بل أعني كل الحاسبات من الحاسبات فائقة السرعة حتى انترنت الأشياء مروراً بالحاسبات في غرف العمليات الجراحية والحرب السيبرانية واستكشاف الفضاء انتهاء بالحاسبات في ساعتك ومحمولك وأجهزة الكمبيوتر المعتادة مثل اللابتوب. كنت أقول أن الشركات تخاف من العمل في مجال الهاردوير وتكتفي بالبرمجيات لعدة أسباب: أولاً البرمجيات أسرع وأسهل من حيث العائد والوصول لأيدي الناس وهذا صحيح. ثانياً البرمجيات لا تحتاج إلى إمكانيات، فقط تحتاج لأجهزة كمبيوتر وبراعة من المبرمجين، هذا صحيح بالنسبة للبرمجيات وبالنسبة لتصميم الحاسبات أيضاً كما سنبين لاحقاً في هذا المقال. ثالثاً العائد من البرمجيات أعلى من الهاردوير وهذا غير صحيح في العصر الحالي. فماهو هذا الهاردوير الذي تخاف منه الشركات وهو خوفاً قد يكون إقتصادياً (ليس لدينا الإمكانيات اللازمة للبدء ولا السوق التي يمكن أن تستوعب ذلك) أو علمياً (أغلب تعليمنا فيما يتعلق بالحاسبات متعلق بالبرمجيات).

إذا تخيلنا أن جهاز الكمبيوتر مثل العمارة فإن مهندس الحاسبات هو المهندس المعماري الذي يضع التصميم، أما مهندس الكهرباء فهو المهندس المدني الذي ينفذ التصميم. أين البرمجيات إذا؟ إنها هندسة الديكور أو التصميم الداخلي. في مقالنا اليوم نركز على الهندسة المعمارية ... أقصد معمار الحاسبات.

أول مفهوم خاطئ عندنا أن تصميم الحاسبات يحتاج إلى تمويل ضخم ومصانع كبيرة وإمكانيات لا تمتلكها دول نامية وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. أكبر شركات تصميم الحاسبات في العالم مثل شركة كوالكم (Qualcomm) وإي إم دي (AMD) ليس لديها مصانع. تصميم الحاسبات يتم باستخدام برمجيات معينة ولا تحتاج أكثر من عقول المصممين. بعد ذلك يمكنك بيع حقوق هذا التصميم للشركات الأخرى ويدر عليك هذا دخلاً مستمراً أو تستطيع إعطاء التصميم لشركات تمتلك المصانع لتصنعه لك ثم تبيع المنتج النهائي. في مصر نستطيع البدء في تصميم بعض المكونات مثل المشغلات الدقيقة (microprocessor) وهي أهم قطعة في جهاز الكمبيوتر فهي بمثابة المخ، أو يمكن تصميم رقائق (chips) لتسريع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتأجيرحقوق تلك التصميمات لشركات كثيرة في جميع أرجاء العالم.

المفهوم الثاني الخاطئ عندنا أن تصميم الحاسبات يعني تصميم جهاز يعمل بسرعة كبيرة فقط وهذا ليس صحيحاً. عندما ظهرت أجهزة الحاسبات في أربعينات القرن الماضي وكانت بدائية وبطيئة وكبيرة الحجم جداً كانت تستخدم في تطبيقات محدودة جداً خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية وكان أهم شيء هو أن تكون النتائج التي تحسبها تلك الأجهزة صحيحة. بعدها بدأت مرحلة أخرى وبدأ التوسع في استخدام تلك الأجهزة وظهرت أهمية السرعة، يجب الحصول على نتائج صحيحة وبسرعة.
مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي ظهرت أجهزة الكمبيوتر الشخصي وهنا ظهرأمر آخر وهو استهلاك الطاقة. أنت أصبحت تمتلك جهاز كمبيوتر في منزلك وأصبح يستهلك طاقة وفاتورة الكهرباء عامل مهم بالنسبة لك. فاتورة الكهرباء لأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة التي تمتلكها الشركات الكبرى وبعض الحكومات تقدر بملايين الدولارات في العام. أهمية الطاقة بدأت تأخذ شكلاً آخر مع ظهور أجهزة الحاسبات المحمولة لأنها تعتمد على البطاريات. أنت لن تكون مسروراً إذا كان عندك برنامج سريع جداً لكن يستهلك طاقة البطارية في ساعة واحدة مثلاً. مع ظهور الانترنت في أوائل التسعينات وانتشارها مع منتصف التسعينات ظهر أمر آخر مهم وهو التأمين والحماية. كما أن أجهزة الحاسبات أصبحت تستخدم في جميع مناحي الحياة ومنها استخدامات حيوية مثل الاستخدامات الطبية والتحكم في شبكات الطاقة والاستخدامات في الحروب وهذا أدخل عامل آخر وهو الأعطال، تلك الأجهزة لا يجب أن تعطل. طبعاً هناك عامل آخر وهو السعر. إذا أصبحت القائمة تضم الدقة والسرعة واستخدام الطاقة والتأمين وعدم التعطل والسعر. ترتيب تلك العوامل يعتمد على الاستخدام، وكل تلك العوامل تقع أولاً على عاتق مصمم أجهزة الحاسبات.

يجب علينا الاهتمام بتصميم الحاسبات فهي منجم دهب لم نستغله بعد في مصر. يجب الاهتمام بتدريس المواد المتعلقة به بتعمق أكثر في كليات الهندسة وكليات الحاسبات ... أما الآن "لو عايز أجيب لابتوب تنصحني بإيه"؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved