يومًا ما سنقع جميعنا ضحية لعمليات الاحتيال عبر الإنترنت

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الأحد 24 أكتوبر 2021 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز مقالا للكاتب جون جابير تناول فيه زيادة عمليات الاحتيال عبر مكالمات الهاتف والرسائل النصية والإنترنت، والتوجه نحو إلقاء اللوم على الضحية التى يتم خداعها أو استغلال مشاعرها، إلى جانب ضعف القوانين التى يجب أن تحمينا من مثل هذه الهجمات... نعرض منه ما يلى:
اتصل بى هذا الأسبوع شخص يدعى «بين»، وكان واضحا من لهجته أنه من جنوب آسيا يتكلم من مركز لخدمة العملاء كما لاحظت فى الخلفية. أبلغنى «بين» أنه قد تم اختيارى من قبل شركة مشغل الهاتف الخاص بى لأحصل على 40% خصما. أبلغنى أن على انتظار استلام رسالتين، وبعدها سيخبرنى بما علىّ فعله لأتسلم جائزتى. بعد فترة من الاستماع إليه سألته بوضوح لماذا تحاول خداعى والنصب على؟ بعدها انقطع الاتصال. قلت لنفسى بفخر «فقط المغفلون سيقعون فى مثل هذه الخديعة».
من الشائع استلام رسائل أو استقبال اتصال من قبل محتالين عالميين؛ فى المملكة المتحدة، استُهدف ما يقرب من 45 مليون شخص فى الأشهر الثلاثة الماضية مثلما كشفت هيئة تنظيم الاتصالات فى المملكة المتحدة، أوفكوم. وخسر المستهلكون الأمريكيون 3.4 مليار دولار فى عمليات احتيال فى عام 2020، معظمها تم عبر الإنترنت.
«صناعة» عمليات الاحتيال تتم على نطاق عالمى وبطريقة ذكية تجعل من السهل إلقاء اللوم على الضحية. «بين» وأمثاله ليسوا متآمرين بارعين، هم فقط يقومون بوضع نص يستخدمونه فى جميع اتصالاتهم، أو يرسلون الملايين من الرسائل على أمل أن يجنى البعض منها ثمارها.
حتى إن بعض الضحايا يلومون أنفسهم. قالت امرأة أسترالية تبلغ من العمر 64 عاما تعرضت للاحتيال فى مبلغ يقترب من 220 ألف دولار أن السبب هو «أن الجشع يدفعنا، وأى شخص يقول غير هذا فهو كاذب». توصلت الدراسة، التى طرحت هذه التساؤلات على المرأة الاسترالية، أن ضحايا الاحتيال عبر الإنترنت ينظر إليهم على أنهم «جشعون وسذج ويسيطر عليهم الشعور بلوم الذات والمسئولية».
الوقوع فى العديد من عمليات الاحتيال أمر محرج للغاية، ولهذا لا يتم الإبلاغ عن العديد منها. ازدهرت عمليات الاحتيال الرومانسية، التى ينشئ فيها المحتالون حسابات مزيفة على مواقع وتطبيقات المواعدة لتكوين علاقات افتراضية، وهو أسلوب انتشر مع إغلاق وباء كورونا، ويقوم من خلالها المحتال بعد فترة بطلب النقود لتغطية ديونه أو لتغطية تكاليف السفر.
قال تقرير صدر هذا الأسبوع عن لجنة التجارة الفيدرالية إن الخسائر من عمليات الاحتيال الرومانسية فى أمريكا بلغت 304 ملايين دولار العام الماضى. ووجهت اتهامات لأحد عشر رجلا مرتبطين بعصابة نشأت فى نيجيريا فى تكساس باستخدام مواقع المواعدة مثل ChristianMingle وMatch.com لخداع العزاب، مستغلين عزلتهم ووحدتهم، وحزنهم أحيانا.
يجب أن نفكر قبل إلقاء اللوم على الضحايا، فمن الممكن أن نقع فى يوم ما فى عملية احتيال عبر الإنترنت. يمكن للمحتالين اصطياد الضحية من خلال تقديم إغراءات من مراكز الاتصال فى الهند، أو باستخدام التصيد الإلكترونى وإرسال رسائل عبر البريد الإلكترونى مثلا لتجميع معلومات أو بيانات شخصية، وهو أسلوب آمن بالنسبة للمحتالين يجنبهم القبض عليهم وسجنهم.
غالبا فى حديثى مع متصلين مثل «بين» أسألهم إذا كانوا راضين عن عملهم. ولكن المسافة تقتل الضمير؛ فمن السهل تجنيد محتالين لن يتحدثوا مع التضحية وجها لوجه. فكما أشارت إحدى الدراسات النفسية أنه من السهل على الأشخاص إتمام عمليات احتيالهم بطرق غير مباشرة. غالبا ما أشعر بالأسف تجاه المحتالين، فبعضهم يكون ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر، وجاء الإنترنت ليحطم الحواجز القانونية والمادية ليجمع بين مجموعتين من الأشخاص الضعفاء؛ محتالين فقراء وأغنياء يشعرون بالوحدة.
ولكن سريعا ما يزول هذا التعاطف بمعرفة الأضرار التى يتسببون فيها؛ مثل تصفية الحسابات المصرفية وسرقة الرهائن العقارية. بلغ متوسط الخسائر فى عمليات الاحتيال الرومانسية التى تنطوى على تحويلات بنكية فى المملكة المتحدة 7850 جنيها إسترلينيا لكل ضحية العام الماضى.
تدار العصابات من قبل مجرمين يستهدفون الأغنياء المفتقدين لأنظمة الحماية القوية. بلغ متوسط الخسائر من عمليات الاحتيال لأشخاص فوق 80 عاما 1300 دولار فى العام الماضى، مقارنة بـ 325 دولارا لمن هم فى العشرينيات من العمر. فالمحتالون يعلمون أن الأثرياء المسنين هم الضحايا الأسهل.
يمكن عمل الكثير لوقف هذا القصف الإجرامى والنفسى. شددت حكومة المملكة المتحدة على تطبيق وسائل التواصل الاجتماعى لقوانين الأمان لمنع عمليات الاحتيال. كانت تطبيقات المواعدة متساهلة للغاية فى تطبيق القوانين ووقف عمليات الاحتيال، على الرغم من أن موقع Match.com يخبر المستخدمين بعدم إرسال الأموال ويدعى «حظر» عمليات الاحتيال.
لكن الاحتيال سيستمر، سيظل الإنترنت موجودا، وسيتمكن المتسللون من سرقة الملايين من أرقام الهواتف لإجراء مكالماتهم وإرسال الرسائل النصية، وستظل عمليات الاحتيال العالمية فعالة وخطرة.
البشر يفشلون فى اكتشاف الخداع إذا كان الكذب متقنا والقصة مقنعة. نحن مبرمجون على تصديق المحتالين، حتى عندما نكون على علم بما يفعلونه. عندما تحديت «بين» أغلق الخط فى وجهى وانتقل سريعا إلى الرقم التالى على القائمة، والحظ يسانده فى ذلك.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved