التغير المناخى والأمن القومى

عزت سعد
عزت سعد

آخر تحديث: الإثنين 24 أكتوبر 2022 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

يستفاد مما جرى عليه العمل الدولى والدراسات العديدة حول ظاهرة التغير المناخى وآثارها السلبية، وجود مسارات أربعة لدبلوماسية المناخ ــ والتى تعنى استخدام الأدوات الدبلوماسية لدعم طموح النظام الدولى للتعامل مع التغير المناخى والتخفيف من آثاره السلبية على السلام والاستقرار والأمن ــ هى: الالتزام بتعددية الأطراف فى سياسة المناخ، معالجة آثار تغير المناخ على السلم والأمن، تسريع العمل الداخلى ورفع الطموح العالمى وتعزيز التعاون الدولى فى مجال المناخ من خلال الدعوة والتوعية. وفى هذا السياق، هناك أدلة وشواهد متزايدة على أن لتغير المناخ آثارا عميقة على الأمن الداخلى والدولى، على السواء، حيث لاحظت دراسات دولية عديدة أن الغالبية العظمى من عمليات حفظ السلام التى يأذن بها مجلس الأمن، تجرى فى البلدان الأكثر تضررا من تغير المناخ. وبالمثل هناك أدلة عديدة على وجود صلة وثيقة، مباشرة وغير مباشرة، بين تغير المناخ والأمن القومى للدول. ذلك أن الآثار السلبية للتغيرات المناخية تعد بمثابة تهديد من شأنه مضاعفة المشكلات القائمة وزيادة حال عدم الاستقرار: فالحرارة الشديدة ونقص المياه والغذاء، وارتفاع مستويات سطح البحر، يمكن أن يوسع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، ويؤدى إلى هجرة جماعية وموجات من اللاجئين واللاجئات، ويخلق ظروفا مواتية لظهور كيانات إرهابية تستغل السكان الضعفاء، خاصة فى دول مثل الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يعانى سكان بعض دول المنطقتين من حالة من عدم الاستقرار بالفعل.
وتجدر الإشارة إلى أنه فى يوليو 2022، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائى تقريرا بعنوان: «حالة الطموح المناخى: لمحة إقليمية عن الدول العربية». وأوضح التقرير أن المنطقة العربية، باعتبارها المضيفة لكل من COP27 (مصر) وCOP28 (الإمارات)، ستشهد تركيزا واسعا على ــ ضمن قضايا أخرى ــ معالجة العلاقة بين تغير المناخ والأمن وأنظمة الغذاء والمياه الملائمة للمناخ.
وأوضح التقرير أن تغير المناخ يعمل كمضاعف للمخاطر مما قد يزيد من مخاطر الصراعات والنزوح من المنطقة مع تصاعد التوترات حول تقاسم الأصول والموارد الطبيعية النادرة بشكل متزايد، مؤكدا أن العديد من دول المنطقة تواجه عدم استقرار اقتصادى واجتماعى وسياسى متصاعد إلى جانب الكوارث المناخية المتزايدة. وفى هذا السياق، تعتزم مصر التقدم بمبادرة جديدة حول تغير المناخ واستدامة السلام للقمة السابعة والعشرين لتغير المناخ (COP 27)، تركز فى الأساس على معالجة التداعيات الناتجة عن تغير المناخ على جهود تحقيق السلام والاستقرار فى القارة الإفريقية، وذلك من خلال تنفيذ برامج وأنشطة فى مجالات مختلفة تشمل: التكيف مع تغير المناخ ارتباطا بتعزيز جهود بناء السلام، دعم السلام من خلال نظم أمن غذائى قادرة على الصمود، إيجاد حلول مستدامة تتناول العلاقة بين تغير المناخ والنزوح الناتج عنه وزيادة التمويل المناخى لتحقيق السلام المستدام. وتجدر الإشارة إلى أنه تم استخدام ندرة المياه كسلاح فى الحرب الأهلية فى شمال إفريقيا من قبل الفواعل من غير الدول. ففى ليبيا، على سبيل المثال، استخدمت الميليشيات المحلية البنية التحتية للمياه (النهر العظيم) كمصدر للنفوذ ضد الخصوم أو الحكومة المركزية.
وفى إطار الأمم المتحدة، اعتبرت دراسة حديثة لمجموعة الأزمات الدولية (سبتمبر 2022)، أن الأمن المناخى يمثل واحدا من عشرة تحديات تواجهها الأمم المتحدة عام 2022 / 2023. وتشير الدراسة إلى الروابط الوثيقة بين المناخ والصراعات والاستجابة لها، مشيرة فى ذلك إلى أن الجفاف وموجات الحر والهطول غير المنتظم للأمطار وارتفاع مستويات سطح البحر، هى كلها تطورات تغذى عدم الاستقرار من خلال تفاقم انعدام الأمن الغذائى والنزوح والتنافس على الموارد.
وكانت كل من إيرلندا والنيجر، وانضمت إليهما نحو 113 دولة عضوا فى الأمم المتحدة، قد تبنت مشروع قرار طرح على مجلس الأمن فى 13 ديسمبر 2022، تضمن إجراءات محددة بشأن تغير المناخ والأمن، مستهدفا وضع الآثار الأمنية لتغير المناخ على جدول أعمال المجلس. وقد استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) لمنع صدور القرار، وأيدتها الهند بينما امتنعت الصين عن التصويت، مع موافقة الأعضاء الـ 12 الآخرين فى المجلس على المشروع. وبررت موسكو اعتراضها بأن هذه المسألة (تغير المناخ) تعالج فى إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وليس مجلس الأمن. ويذكرنا هذا الموقف بموقف موسكو وبكين عندما عرضت مصر موضوع تعنت إثيوبيا ورفضها توقيع اتفاق ملزم بشأن تشغيل سد النهضة بما يحمى مصالح دولتى المصب وفقا لأحكام القانون الدولى.
• • •
وهكذا، وفى ضوء الروابط بين التغير المناخى وآثاره السلبية والأمن القومى، بات هذا الموضوع بمثابة إحدى الركائز الأساسية لأجندة العمل الوطنى فى مصر، حيث تتناول الدولة هذا الموضوع ضمن تعامل متكامل لبنود التنمية المستدامة، وأهداف أجندة 2030، إذ ترى مصر فى ذلك فرصة لتحقيق نمو اقتصادى مستدام ومتوافق مع البيئة. وفى هذا الصدد، تسعى مصر إلى تحقيق التناغم بين الأجندة الدولية لموضوعات البيئة، سواء فى التنوع البيولوجى أو تغير المناخ أو مكافحة التصحر، وبين أجندة التنمية 2030 وسياسات مؤسسات التمويل الدولية، وبصفة خاصة ما يتعلق بتيسير النفاذ لمصادر تمويل مشروعات الحفاظ على البيئة ومواجهة تغير المناخ. وتتضمن استراتيجية 2030 أهدافا واضحة لنسبة مساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة، ومراجعة مزيج الطاقة المستقبلى للتخلص من الفحم، وأيضا استراتيجية حماية الشواطئ، وترشيد استخدامات المياه، فضلا عن الانضمام لعدد من المبادرات الخاصة بخفض الانبعاثات مثل مبادرة البنك الدولى لخفض احتراق الغاز المصاحب لإنتاج البترول. كذلك تنظر مصر إلى موضوع نقل التكنولوجيا المتوافقة مع البيئة، على أنه عامل محفز ومساعد على تنفيذ التعهدات الوطنية، فيما يتعلق بالتعامل مع تغير المناخ. لذا فإن التحول من مجرد الدخول فى شبكة لتبادل المعلومات حول التكنولوجيا إلى عملية نقل وتوطين التكنولوجيا للدول النامية، يعد مطلبا أساسيا لهذه الدول بما فيها مصر.
ومن المناسب الإشارة هنا إلى الطفرة التى حققتها مصر خلال السنوات القليلة الماضية فى قطاع النقل وتحديث بنيته التحتية بدءا بمشروع قناة السويس الجديدة والمشاريع الأخرى للقطارات السريعة، والقانون الذى صدر أخيرا لتصنيع السيارات الكهربائية (الصديقة للبيئة) والذى ينص على تقديم حوافز للمصنعين، والانعكاسات الإيجابية لكل ذلك على مجالات عديدة بما فيها المناخ وارتباط ذلك بالأمن القومى. فقد أكدت دراسات عديدة على الأهمية الاستراتيجية لنظام النقل فى أى بلد، فى ضوء تفاعل المفهوم العام للنقل مع العديد من المجالات ذات الصلة بصنع القرار على المستوى الوطنى فيما يتعلق بالحياة البشرية، ونوعية الحياة، والاقتصاد، وأسعار المساكن، والوضع الديموغرافى، وازدحام المستشفيات، والجوانب الاجتماعية والعدالة التوزيعية، وتلوث الهواء، والجهود التى تبذلها الدولة للتحول إلى اقتصاد أكثر إخضرارا. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، ينبع تلوث الهواء فى الكتل الحضرية الكبيرة بشكل رئيسى من استخدام المركبات الخاصة. ومن هنا ندرك مدى أهمية الجهود التى بذلتها الدولة فى مجال البنية التحتية للنقل، بما فى ذلك توفير منتج عام حيوى مثل وسائل النقل العام الفاعلة والعاملة، بما يخفف من الأضرار التى تلحق بحياة الإنسان.
• • •
غنى عن البيان أن الدول تستخدم النقل بأنواعه البرى الجوى والبحرى لتعزيز علاقاتها الخارجية واقتصاداتها، وتجارتها تصديرا واستيرادا، وكذلك السياحة. ويظل النقل بالسكك الحديدية دائما عنصرا مهما ليس فقط فى المجال المدنى، بل وأيضا فى الخدمات اللوجستية العسكرية. وعلى سبيل المثال، يمكن لقاطرة واحدة تحريك كتيبة دبابات كاملة بجميع عناصرها، دون الحاجة إلى سائقى نقل الدبابات وتجنب الازدحام على الطرق. كذلك، فإن وجود نظام نقل عام واسع النطاق وفعال هو الطريقة المثلى لمعالجة مشاكل الازدحام والسلامة وتلوث الهواء، وهو عنصر أساسى للنمو الاجتماعى والاقتصادى. وفضلا عن ذلك يلعب النقل الفعال دورا اجتماعيا مهما، حيث يهدف إلى إتاحة التنقل إلى أماكن العمل والخدمات العامة، بما فى ذلك المراكز الطبية، وتوفير مراكز الحماية فى الجبهة الداخلية وفى الكتل الحضرية للمواطنين الذين لا يستطيعون الاعتماد على المركبات الخاصة. وفى إطار التحولات الهائلة الحالية فى سوق الطاقة والانتقال إلى الطاقة النظيفة، تفرض هذه التحولات تحديات تستوجب الأخذ بالتكنولوجيا والابتكار. وينظر إلى تكنولوجيا السيارات الكهربائية فى هذا السياق على أنها مجال رئيسى للأمن القومى ارتباطا بصناعة البطاريات.
ومن المهم التأكيد على أنه فى إطار المناقشات التى جرت فى مجلس الأمن حول الموضوع، سعت الدول الإفريقية الأعضاء فى المجلس وغير الأعضاء فيه، وعلى رأسها مصر، إلى تأكيد الحاجة إلى المزيد من التمويل للبلدان النامية للتكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره، حيث تعد قضية التكيف مع التغيرات المناخية أولوية رئيسية لمصر، خاصة فى ضوء ما تشهده من آثار حالية على قطاعات اقتصادية رئيسية مثل الزراعة والموارد المائية والطاقة.

مدير المجلس المصرى للشئون الخارجية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved