الشراء الانتخابى

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 24 نوفمبر 2015 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

أن يبيع ناخب صوته فهذه مسألة لا تحتاج إلى شرح وإسهاب، أما أن يتجه مرشح لشراء أصوات فهذه إشكالية تتطلب الفهم.
فى دولة تعانى شريحة معتبرة من سكانها من الفقر، وتتفشى فيها الأمية الابجدية، ناهيك عن السياسية، يصبح من السهل أن تجد ناخبا على استعداد لبيع صوته، فهو لا يهتم بالسياسة، ولا يعنى بها، ويعرف من خبرته السابقة أن المرشح بعد أن يحصل على المقعد البرلمانى لن يفيده بشىء، فمن الحكمة ــ من وجهة نظره ــ أن يتحول إلى «ذبون» يحصل على منفعته مقدما.
هذا عن الناخب، أما المرشح الذى يشترى الأصوات فهو يقدم حالة دراسية ينبغى التوقف أمامها. السمات العامة له أنه مرشح بلا قاعدة من المؤيدين، يريد أن يشترى مؤيدين، وقد يكون هو ذاته مشترى من حزب أو تكتل انتخابى نظرا لأنه قادر على الانفاق المذهل بلا ضوابط أو سقف. يساعده على ذلك نظام انتخابى يضع شخص المرشح قبل البرنامج، وقبل الحزب الذى يمثله، والذى فى أغلب الأحيان ليس إلا لافتة يستر بها المرشح عورته السياسية، بالانتساب لكيان سياسى اسمه حزب. المال أقوى من الحزب والبرنامج، طالما أنه أحد المفاتيح المهمة للعبور للبرلمان.
التصدى لشراء الأصوات يعتمد على ما يطلق عليه «وعى الناخب»، الذى طالما ننصحه باختيار أفضل العناصر، وهى النصيحة التى تتبخر قبل الوصول إليه. هنا نقف أمام مسألة مهمة. من هو الناخب؟ المواطن المصرى الذى طالما نمتدح ذكاءه، وفطنته طوال الوقت، وفى المناسبات الانتخابية نرميه بأوصاف سلبية: الناخب الكسول، الذى يمارس العقوق لعدم مشاركته، أو الذى يخسر دنياه وآخرته، والجاهل الذى يسهل التلاعب بعقله، أو بغرائزه، وكأنه وعاء خال بلا عقل أو فكر.
شراء الأصوات ليس ظاهرة جديدة، بل هى قديمة جديدة. اتهمنا فى السابق الإخوان المسلمين بشراء الناخبين بالزيت والسكر، وقد حدث ذلك بالفعل، واليوم الأصوات تشترى بنفس الآليات، إن لم تكن بسلع، فقد تكون بالدفع «كاش» مباشرة. ينتهى هذا المشهد السلبى فى حالتين: الأولى عندما يكون لدى الأحزاب كوادر سياسية حقيقية لها ارتباط بالواقع الذى تعمل فيه، وليس مرشحين يبدلون هوياتهم الحزبية كالأحذية من موسم انتخابى لآخر، والحالة الثانية عندما يتغير النظام الانتخابى الذى يجعل «الشخص» وليس «البرنامج» هو المحور، وهنا ينبغى التفكير مرة أخرى فى نظام انتخابى يقوم على «القائمة النسبية»، وليست «القائمة المطلقة» التى هى فى النهاية تعبير عن نفس الآلية أى التصويت المطلق لمجموعة بدلا من الفرد.
للأسف، كان شراء الأصوات أحد العناوين السلبية فى هذه الانتخابات. أحزاب اشترت مرشحين، وآخرون خاضوا المعركة مستقلين، وهؤلاء بدورهم اشتروا ناخبين. ولكن إلى جوار هذه الظاهرة السلبية، دعنا نعترف، بوجود عناوين أخرى مبهجة مثل نجاح مرشحين بعضهم من النساء لم يشتروا أصواتا، بل توافرت لهم مساندة شعبية، ولم يقهرهم سلاح المال فى يد الخصوم. قد يكون عددهم محدودا، لكنهم يقدمون نموذجا فى السلوك الانتخابى ينبغى دراسته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved