أوف لايـن

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

منذ أن سيطر الانترنت على حياة الناس أصبح هناك اختلاف بين «أوف لاين» و«أون لاين»، الأول الحياة الواقعية المباشرة، التى تشهد التفاعل الاجتماعى، وأماكن العمل، والأسواق، والطرقات، وجلسات السمر، والمنتجات الثقافية التى تمسكها الأيدى مثل الكتاب واللوحة، وغيرها. أما الثانية «أون لاين» فهى الحياة على الشاشة ــ الكمبيوتر أو الهاتف المحمول أو آى باد ــ يتفاعل المرء من خلالها مع شبكات متداخلة من العلاقات الاجتماعية والمهنية والثقافية. يتصل، ويدون، ويستمع، ويشاهد. فى الشهور الماضية، عندما ابتليت البشرية بوباء «كوفيدــ19»، انتقلت رغما عنها إلى الحياة «أون لايـن»، واجبرت على الانقطاع عن الواقع «أوف لايـن» بدرجات متفاوتة. وبمرور الوقت ظهر شوق الإنسان إلى استعادة الحياة المألوفة فى الشارع، وقاعات الدرس، ومكاتب العمل، والمواصلات، والكافتيريات، والشواطئ، الخ، وأصبح الصراع الحقيقى الذى يواجه المرء فى كل أرجاء العالم هو كيفية التخلص من القيود المفروضة على حركته، ووجدنا فى قلب العالم المتقدم كيف تطارد الشرطة ــ إبان إجراءات الاغلاق فى مواجهة الوباء ــ الناس الذين يقيمون حفلات أو يذهبون فى جماعات إلى الشواطئ، أو يستقبلون أشخاصا أكثر مما هو مسموح به فى بيوتهم.
يبدو أن البشرية سوف تظل لفترة زمنية فى جدل ما بين «أوف لاين» و«أون لاين»، ولكن أظن أن العلاقة بينهما أكثر تعقيدا، إذ أن ما يتحصل للإنسان فى الحياة الواقعية من أفكار ومعارف وأسلوب تفكير وطريقة تعبير يظهر فى الفضاء الالكترونى، وكلما كان التعليم والاعلام والثقافة فى حالة تراجع، بدا عالم الانترنت يعج بالعديد من الصور السلبية، والتى لاحظنا أحدها فى الفترة الماضية فى شكل المساجلات الدينية أو العقيدية بين بعض الشباب، التى تستخدم أسلوبا غير مهذب، ولغة هابطة، وعبارات تفتقر إلى سلامة اللغة، كما ينقصها لياقة التعبير. هذه هى الإشكالية: نحن نجنى على الانترنت ما نزرعه فى الواقع العملى؟ إذا كان الواقع يسوده الجهل، والروح الطائفية، وغياب الاستنارة فمن المتوقع أن يؤدى إلى تفاعل بائس على الشاشة. ولا يكفى أن نظل ننتقد «الانفلات الالكترونى»، لأن هذا لم يعد كافيا، ولكن علينا أن ندرك أنه تعبير عن صورة الواقع. وإذا كنا ندرك أن البشرية تتجه بخطوات متسارعة نحو الواقع الالكترونى، فإن هذا يدعنا نفكر فى كيفية «ضبط» هذا العالم واسع الانتشار، كثيف المعلومات، سريع التداول. وهو ما يشغل الناس فى كل الدول، ويبدو أن تنظيم الفضاء الالكترونى ضرورة كونية حتى يظل الانترنت خاليا من التحريض والكراهية والعنف، ويصب فى اتجاه تعميق المعرفة، ولا يخلق صورا خاطئة عن الآخرين. جهد مقدر يقوم به قانونيون وإعلاميون وساسة وبرلمانيون لكنه غير كاف، والسبب أن ضبط الفضاء الرقمى يحتاج إلى ضبط الواقع المادى أولا، وطالما أن هناك مشكلات نعيشها «أوف لاين»، ستنعكس بالضرورة على الحياة «أون لاين». بالتأكيد سيظل الواقع واقعا، والشاشة شاشة، وبينهما جدل تكوين الإنسان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved