اقتصاد المواطن واقتصاد الحكومة

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 24 نوفمبر 2021 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

مصر لديها اقتصادان وليس اقتصادا واحدا، الأول اقتصاد الحكومة المزدهر الذى تشهد له المؤسسات الدولية من صندوق النقد إلى مؤسسات التصنيف الائتمانى ومعهم مسئولو الشركات الدولية التى فازت بعقود بمليارات الدولارات من الحكومة المصرية خلال السنوات الماضية. والثانى هو اقتصاد المواطن الذى عانى ويعانى من ارتفاع مستمر فى أسعار احتياجاته الأساسية وغير الأساسية، وزيادات مستمرة ومتسارعة فى أسعار الخدمات الحكومية والرسوم والضرائب التى تتنوع كل يوم، وآخرها فرض رسم جمركى بنسبة 10% على الهواتف المحمولة التى لم تعد بالتأكيد سلعة كمالية فى ظل سعى الدولة نفسها، وحديثها المستمر عن رقمنة كل شىء من امتحانات المدارس، وحتى خدمات الشهر العقارى.
الحكومة ومسئولوها يتغنون كل يوم بالحالة العظيمة للاقتصاد المصرى، وبالنجاحات التى تحققت وتحسدنا عليها، بل وتسعى إلى تكرارها العديد من دول العالم. وأمس قالت وزيرة التخطيط إن المؤشرات المبدئية توضح نمو الاقتصاد بمعدل 9.8% خلال الربع الأول من العام المالى الجارى، وهو أعلى معدل ربع سنوى على امتداد العقدين الماضيين. وقبلها بيوم قال رئيس الوزراء إن مصر من الدول القليلة جدا التى استطاعت تسجيل معدلات نمو إيجابية على الرغم من التحديات التى فرضتها جائحة كورونا.
فى المقابل هناك المواطن الذى يواجه اليوم صعوبة تصل فى حالات كثيرة إلى حد استحالة تلبية احتياجات أسرته نتيجة ارتفاع الأسعار بلا رابط، وفى نفس الوقت يسمع ويقرأ ويشاهد الإعلانات الترويجية لإنجازات الحكومة وتصريحات المسئولين عن المعجزة التى حققها الاقتصاد فى عام كورونا.
المواطن يسأل نفسه، لماذا إذن ترفع الحكومة رسوم خدماتها وتفرض عليه ضرائب أو جمارك جديدة تزيد أعباءه إذا كانت قد حققت انجازات اقتصادية يشهد لها العالم؟ وهل من المنطقى أن تكون ترجمة النجاح الاقتصادى هى زيادة فى الأعباء التى يتحملها المواطن؟
لا نشكك بالقطع فى أرقام الحكومة الخاصة بمعدل النمو الاقتصادى وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وحجم ما تحقق من إنجازات على صعيد البنية التحتية، كما لا نشكك فى شهادات المؤسسات الدولية التى لها حساباتها ومعاييرها بالتأكيد لوصف الاقتصاد بالنجاح والتى قد لا يكون من بينها حالة المواطن البسيط وما يتحمله من أعباء حتى ترى هذه المؤسسة الاقتصاد فى صورته البهية، ولا نشكك فى إشادات مسئولى الشركات العالمية الذين حصلوا على عقود بالمليارات من مصر.
لكن بالتأكيد لا يمكن أن نكذب أنفسنا أو نشكك أيضا فيما نعيشه ونعانى منه من صعوبات اقتصادية بالغة، تتحمل الحكومة وقراراتها الجزء الأكبر من المسئولية عنها، بدءا من أسعار المساكن التى تضاعفت عدة مرات منذ أن قررت الحكومة رفع ثمن شقة الإسكان الاجتماعى التى تستهدف محدودى الدخل إلى حوالى 200 ألف جنيه، وطرحت وحدات إسكان متوسط بسعر يصل إلى 5000 جنيه للمتر ثم وحدات إسكان فاخر بسعر يتجاوز 10 آلاف جنيه للمتر، فأصبح تدخل الحكومة محفزا لزيادة الأسعار بدلا من أن يكون كابحا لها كما هو المفترض.
وما حدث فى ملف السكن تكرر فى الخدمات الحكومية الرسمية التى أصبحت كابوسا يلاحق المواطن أينما ذهب، بدءا من رسم شهادة الميلاد وحتى الوفاة، وتكرر فيما تبيعه الحكومة من منتجات بدءا بزيت التموين وصولا إلى الكهرباء.
لا أجد تفسيرا مقبولا لهذا الوضع، وكما قلت لا نشكك فى صدق تصريحات المسئولين وأرقامهم ولا فى الشهادات الدولية، ولكن لابد أن هناك خللا ما وراء هذا التناقض الحاد بين اقتصاد المواطن واقتصاد الحكومة يجب الكشف عنه وإصلاحه حتى يشعر المواطن بثمار الإصلاح الناجح والاقتصاد الذى تباهى به الحكومة الدول الأخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved