اتفاق غزة وقرار مجلس الأمن رقم 2803

نبيل فهمي
نبيل فهمي

آخر تحديث: الإثنين 24 نوفمبر 2025 - 5:45 م بتوقيت القاهرة

اعتبرت اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة اتفاقا ضروريا قبلته الأطراف المختلفة ــ وخاصة حماس وإسرائيل ــ على مضض لاعتبارات داخلية مختلفة، وتبنته الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا، والتى سميت مجازا بالدول الضامنة، إزاء صعوبة قبولها باستمرار القتل الإسرائيلى الجماعى والمجاعات لسكان غزة الفلسطينيين، وتداعيات ذلك على مكانتها الإقليمية والدولية.

ويقينا أن الاتفاق أبرم على مضض، ومع تأييدى للطرح السياسى السليم الذى قدمته مصر فى مؤتمر شرم الشيخ بحضور جمع كبير من القادة على المستويين الإقليمى والدولى، كنت واعيًا منذ البداية أن الوصول بالاتفاق إلى بر الأمان، بالتطبيق الأمين والشامل لنقاطه العشرين، معرض لمخاطر عديدة، ويحتاج إلى مفاوضات مكثفة ومواقف رصينة، والتمسك بأصول الشرعية فى ترجمة عناصر كثيرة، منها تشكيل وولاية الجهاز الإدارى الدولى المؤقت والآخر الفلسطينى لقطاع غزة، والترتيبات الأمنية، وولاية القوة الدولية، وتأمين المساعدات الإنسانية والمرتبطة بإعادة بناء وتعمير القطاع، وربط كل ذلك بانسحاب القوات الإسرائيلية، ووضع التحرك بأكمله فى إطار إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة بجوار إسرائيل، مما يفترض الالتزام بوضع واحترام الصبغة الفلسطينية لكل ذلك... إلخ.

لكل هذه الاعتبارات وتقديرا للصعوبات المتوقعة وإيمانا بضرورة التحرك الدبلوماسى الشامل وصفت اتفاق غزة مجازا أنه أقرب إلى اتفاق إطارى مكتوب بالقلم الرصاص، لأنه يحتاج للتحصين والتدعيم وطالبت ولازلت أطالب بتحصينه دوليا بالشكل المناسب من مجلس الأمن الأممى لإعطائه الهوية السليمة، ولكى يتسق مع الشرعية الدولية، باعتبار أن الأمم المتحدة هى التى أصدرت العديد من القرارات بحق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم، فضلا عن أنها المنظمة التى أصدرت قرار التقسيم والذى يعتبر أساس شريعة إسرائيل والمرهونة بإقامة دولة فلسطينية أيضا.

لهذه الاعتبارات لم أحبط من القلق والانزعاج أو أتسرع فى التفاؤل عندما تقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن، ومن بعدها روسيا، لم أنزعج لأنه من الطبيعى والمنطقى أن تكون الولايات المتحدة شريكة أو متجاوبة فيما يصدر عن المجلس إذا كان من المنتظر تنفيذ الاتفاق المنسوب فى المقام الأول إلى الرئيس ترامب وإدارته، إنما لم أتفاءل لأن مشروع القرار قدم أمريكيا فى أول الأمر دون تشاور كافٍ مع الأطراف العربية المعنية، فضلا عن أن الإدارة أعلنت فى أول الأمر أن عناصر القرار غير قابلة للتفاوض، وهو موقف عنترى وغير جاد، لعلم الجميع أن القرار لن يمر دون مفاوضات لتأمين تماشى نصوصه مع أهداف اتفاق غزة، وأن الأطراف الأخرى فى المجلس، خاصة الدول دائمة العضوية لن ترتاح للإدارة الأمريكية أحادية التوجه والمنحازة لإسرائيل بالانفراد بقرارات المجلس وتوجهاته.

على رغم أننى من مؤيدى إصدار قرار من مجلس الأمن فى هذا الخصوص وفى أقرب فرصة، بل لعلى كنت أول من بادر باقتراح ذلك، كانت لى العديد من التحفظات على أسلوب ومضمون الصياغة الأمريكية الأولى لمشروع القرار، ومن أهم أسباب تحفظى عدم ربط تلك الصياغة الإجراءات بالحل النهائى وحل الدولتين بشكل مناسب، فضلا عن عدم تأمينها من ممارسات إسرائيلية تقليدية بعدم تنفيذ واجباتها والتذرع بمخالفات آخرين لتثبيت الأوضاع على ما هى عليه، وهو ما يترتب عليه تقنين ضمنى للاحتلال الإسرائيلى للقرار، فضلا عن علمى بانحياز الولايات المتحدة لإسرائيل ورفضه تحميلها مسئولية أية إخفاقات، كما أن المشروع لم يراع مسئولية مجلس الأمن فى حفظ الأمن والسلم الدوليين.

وفى سياق الحل السلمى للنزاعات كنت وما زلت مؤمنا بأن أفضل وسيلة للتعامل مع الصعوبات والمواقف هو التصدى الموضوعى بالموافقة أو التعديل أو الرفض، مع طرح أفكار بديلة، وإجراء اتصالات دبلوماسية مكثفة ومتعددة للاستفادة من الزخم الدولى الذى أيد الطرح المصرية فى شرم الشيخ، مع الاستعداد لاتخاذ قرارات بالموافقة أو الاعتراض على النصوص فى نهاية المطاف وفقا لمدى توافقها مع الشرعية الدولية، ولعل من مؤشرات صحة هذا التقدير أن الولايات المتحدة طرحت عدة نسخ  لمشروع القرار متضمنة بعض التعديلات الجزئية استجابة لملاحظات من قبل دول عربية وإسلامية، قبل أن يتم إقراره من قبل المجلس من ضمنها   إشارة إلى تقرير المصير والدولة الفلسطينية مما أزعج الجانب الإسرائيلى بشدة. 

ومع صدور قرار المجلس يوم الإثنين ١٧ نوفمبر بموافقة ١٣ عضوا وامتناع روسيا والصين يجب أن تكون هناك متابعة دقيقة لتنفيذ كل بنوده، حفاظا على الأهداف المرجوة من اتفاق وقف إطلاق النار كاملا بتفسيرات شرم الشيخ، والاحتياط من المماطلة وتلكؤات إسرائيلية معتادة، وصيانة للعناصر الأساسية للشرعية الدولية دون انتكاسة أو تعديل، سعيا لإقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل، خاصة مع الإشارات المتكررة للمسئولين الإسرائيليين برفض ذلك.

هناك سبل مختلفة لتأمين  تلك المتابعة، ونقاط عديدة واجبة المتابعة بدقة حفاظا على ما تحقق، وتجنبًا لأن يساء استغلال قرار مجلس الأمن لخلق عقبات نحو الحل بدلا من آلية لإحراز تقدم.

أولا: يجب أن نشهد تكثيفًا فى الاتصالات العربية والإسلامية، وغيرها للتأكيد على شمولية الهدف وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلى مع متابعة دقيقة وحاسمة لاستمرار انسحاب إسرائيل من قطاع غزة.

ثانيا: من المفيد تشكيل لجان فنية من الدول العربية والإسلامية وآخرين لمتابعة الموقف والتطبيق السليم لبنود الاتفاق، تمهيدا لاتصالات سياسية عالية المستوى مع الجانب الأمريكى إزاء أى تجاوزات.

ثالثا: يجب تكثيف الاتصالات وزيادة الدعم الإنسانى وإعادة تعمير غزة وهناك المبادرة المصرية بعقد مؤتمر الدعم الإنسانى. 

رابعا: على رغم قناعتى أن الأزمة الحقيقية فى السياسات الإسرائيلية وليس الأوضاع الفلسطينية، من المفيد إسراع السلطة الفلسطينية فى مسيرة الإصلاح الذاتى، وفقا لمقررات المؤتمر الأممى برعاية سعودية فرنسية، لعدم إعطاء الذريعة لإسرائيل والولايات المتحدة للتلكؤ فى المضى قدما، وبما يسهل من  تثبيت الهوية الفلسطينية للمؤسسات الغزاوية وتجنب فصل ارتباطها بالضفة الغربية، وتأخر إسرائيل فى الانسحاب، وهناك أخبار عديدة عن وجود خطط لتقسيم غزة بين منطقة مؤمنة إسرائيليا وأخرى معزولة فلسطينيا.             

خامسا: وفى هذا السياق يجب الاستفادة من التزام الغالبية العظمى من المجتمع الدولى بالمفهوم الأشمل لاتفاق غزة وفقا لقراءة شرم الشيخ لاتفاق غزة، وذلك بغية تجنب الانتهاء إلى اتفاق جزئى ومرحلى يثبت الأمر الواقع دون نية حقيقية من جانب إسرائيل لتنفيذ كامل، خاصة فيما يتصل بالانسحاب من غزة فى سياق مسيرة نحو حل القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

نقلا عن إندبندنت عربية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved