ريادة المنع والإقصاء

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الخميس 24 ديسمبر 2009 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

 حين يمنع مثقف عربى من دخول أى بلد عربى بسبب موقفه الفكرى، فذلك إجراء يسىء إلى البلد ولا يسىء إلى المثقف، لذلك فإننى أعتبر أن منع الدكتور نصر أبوزيد من دخول الكويت موقف غير حكيم، ورغم اختلافى الفكرى معه، فإننى كنت أفضل أن يسمح له بالدخول، ثم يتاح له أن يعبر عن آرائه، وأن يمكن نقاده ومعارضوه من مناقشته والرد عليه.

على الأقل، فذلك هو الوضع الأمثل الذى تمنيت أن يتم التعامل به مع موضوعه. لكن يبدو أن الأمر ليس بهذه المثالية لأن خبر منع الدكتور أبوزيد من الدخول حظى باهتمام من بعض المثقفين، الذين سجلوا احتجاجهم على ذلك فى بيان أصدروه، وتعليقات عدة نشرتها الصحف المصرية.

وأثار انتباهى أن هؤلاء لم يسمع لهم صوت ولم يصدر عنهم أى احتجاج حين نشرت الصحف خبر منع السلطات المصرية دخول الدكتور وليد طبطبائى وهو أستاذ جامعى ونائب فى مجلس الأمة الكويتى. ولم يكن لذلك من سبب سوى موقفه الفكرى، لأن الرجل من أعضاء الكتلة الإسلامية فى البرلمان، وهو ليس وحيدا فى ذلك، لأن السلطات المصرية دأبت على منع دخول أمثاله من مختلف الأقطار العربية. خصوصا الخليجيين والأردنيين والفلسطينيين.

أدرى إن الخطأ لا يبرر الخطأ، وأرجو ألا يظن أننى باستدعاء تلك الخلفية أقدم دفاعا عن قرار الحكومة الكويتية أو تبريرا لمسلكها. كما أرجو أن تكون قد لاحظت أننى فى السطر الأول من كلامى سجلت اعتراضى على مبدأ منع المثقفين من دخول مختلف الأقطار العربية، علما بأننى أحد الممنوعين من دخول تونس منذ أكثر من عشر سنوات. لكننى مما عرضت أردت أن ألفت إلى أمرين، أولهما أن بيتنا من زجاج فى هذه المسألة، فمصر سباقة فى عملية المنع.

وما فعله الآخرون أنهم ساروا على دربها وقلدوها. الأمر الثانى أن موقف المثقفين الناشطين من مثل هذه الأحداث يتأثر بالتحيزات الفكرية لأطرافها، ولا ينطلق من مواقف مبدئية. وفى الحالة التى نحن بصددها فإنه لا تفسير لحملة التضامن مع الدكتور نصر أبوزيد والانتصار له والسكوت على ما جرى للدكتور وليد طبطبائى وأمثاله سوى أن الأول ينتمى إلى الفريق العلمانى فى حين أن الآخرين ينتمون إلى أصحاب التوجه الإسلامى.

وليست هذه هى الحالة الوحيدة لأن المفارقة ذاتها أوضح ما تكون فى مواقف منظمات حقوق الإنسان التى يهيمن العلمانيون على أغلبها. فإذا داست أجهزة الأمن على طرف واحد من جماعتهم، فانهم يهبون معبرين عن الاحتجاج والغضب وتتعالى أصواتهم منددة بالمساس بحريته وانتهاك حقوقه التى كفلها ميثاق حقوق الإنسان. أما الاعتقالات التى تتم بصورة أسبوعية بحق الطرف الآخر.

والمحاكمات العسكرية التى يقدمون إليها، والاحتجاز غير القانونى للمئات منهم الذين انتهت محكومياتهم. وغير ذلك من إجراءات المداهمة والمصادرة وخراب البيوت، ذلك كله إما أن يغض الطرف عنه وإما أن يشار إليه من باب رفع العتب وسد الخانة. وحتى نكمل الصورة فإن هذا الاستقطاب يتجاوز الأنشطة المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان ليصل إلى مختلف مجالات النشاط الثقافى التى يقوم عليها غلاة العلمانيين. إذ أصبح تحيزهم مكشوفا لصالح جماعتهم، وغدا إقصاء أصحاب التوجه الإسلامى من عضويتها فضلا عن حرمانهم من جوائزها بمثابة ظاهرة عامة.

والحاصل فى منح جوائز الدولة كل عام خير دليل على ذلك. وما جرى فى توزيع تلك الجوائز فى العام الأخير بوجه أخص كان معبرا عن فجاجة ذلك التحيز. وهو ماسبق أن أشرت إليه فى هذا المكان. فيما كتبته تحت عنوان «مبدعون ممنوعون من الصرف».

غنى عن البيان أن مثل هذه الممارسات لو صدرت عن المتدينين لكانت إدانتهم واجبة أيضا. لكن الحاصل أن حملة الإقصاء حالت دون اختبارهم فى المواقع التى أصبحت حكرا على غيرهم. أن الحرب الباردة انتهت بين الدول الكبرى فقط، لكنها لم تتوقف على مستويات أخرى، المثقفون فى الصدارة منها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved