هل الإسلام فى مصر فى خطـر؟

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 24 ديسمبر 2012 - 11:20 ص بتوقيت القاهرة

من يقرأ مشروع الدستور الذى أعدته اللجنة التأسيسية وطرحه رئيس الجمهورية للاستفتاء طوال الأسبوعين الماضيين لا بد أن يخرج بالانطباع بأن من أعدوا هذا الدستور قد تملكهم اعتقاد حازم بأن الإسلام على أرض مصر يواجه أخطارا شديدة. ولذلك فعليهم مواجهة هذه الأخطار بنصوص الدستور 

 

 

هؤلاء لم يكتفوا بالنص الذى ورد فى المادة الثانية من دستور 1971 والتى أكدت على أن الإسلام دين الدولة، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ولكنهم خشوا من أن يسعى أحد لتمييع المقصود بهذه المادة، فأضافوا لها تفسيرا تحار فى شأنه الألباب بأن مبادئ الشريعة هى الأدلة الكلية، والقواعد الأصولية الفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة، وناهيك عن أن الأدلة الكلية والقواعد الفقهية الأصولية لا يمكن أن تكون المبادئ، وإنما هى التى ترشدنا إلى ماهية المبادئ، أى أنها هى التى نستدل منها على المبادئ، ولكن ذلك ربما لا يشكل رادعا قويا لمن رأى أعضاء اللجنة التأسيسية أنهم يتربصون بالإسلام فى مصر، فعادوا فى آخر الفصل الرابع الخاص بضمانات الحقوق والحريات، وكأنهم خشوا أن تستخدم الحقوق والحريات الواردة فى الفصول الثلاث السابقة على نحو يهدد مكانة الإسلام فى المجتمع، ومن ثم فقد نبهوا فى الفقرة الثانية من المادة 81 على أن هذه الحقوق والحريات تمارس بما لا يتعارض مع المقومات الواردة فى باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور، فلم يقتنعوا بأن الحرية المتروكة للمشرع بموجب مواد الحقوق والحريات التى تحيل للقانون فى تنظيم ممارستها لن تجدى فى قمع هؤلاء المتربصين بالإسلام على أرض مصر، فذكروهم بما هو معروف ومسلم به بأن كل هذه الحقوق والحريات تمارس على ضوء مواد الباب الأول فى الدستور، ومنها المادة الثانية التى أشارت لها بداية هذه الفقرة، ومنها المادة الرابعة التى خصت للأزهر مكانة خاصة ليس باعتباره هو الوحيد الذى يقوم على جميع شئونه، وهو الذى يتولى نشر الدعوة الإسلامية فى مصر والعالم، بل اشترطت هذه المادة أن يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

 

 

   لو تصورت أن ذلك يكفى وزيادة لوقف محاولات هؤلاء الذين يريدون بالإسلام شرا فى مصر فأنت واهم لأن المادة 44 تحذرهم بأن الإساءة للرسل والأنبياء كافة محظورة، ولاحظ أن هذه هى المادة الثانية فى الفصل الثانى من الباب الثانى فى الدستور، وهو الفصل الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ووضعها فى صدارة هذا الفصل وبعد المادة 43 التى تتحدث عن حرية الاعتقاد هو رسالة واضحة لمن يريد استغلال حرية الاعتقاد أو أيا من الحريات الواردة فى هذا الفصل لإهانة الرسل والنبياء بأن هذا محظور تماما. ولم يغفل واضعوا الدستور أن هناك من هو سيئ النية، وقد يسعى لتقويض مكانة الدين فى المجتمع تحت دعاوى مختلفة، ولذلك تكررت فى مواد الدستور الإشارة إلى نفس المعانى بطرق متعددة مباشرة وغير مباشرة، وخصوصا فى المواد 10 ــ 12، فالدين مع الأخلاق والوطنية هو قوام الأسرة، والدولة والمجتمع حريصان على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها (المادة 10) والدولة ترعى الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية (المادة 11)، كما تحمى الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع (المادة 12)،  وطبعا الإسلام هو واحد من هذه المقومات. فهل هناك مايبرر كل هذه الاحتياطات، وهل هناك من سبب مقنع لها؟

 

الإسلام على أرض الواقع

 

  تصور عزيزى القارئ أنك مؤرخ تكتب تاريخ مصر، وأنك متخصص تحديدا فى مكانة الأديان فيها، ماذا ستكتب عن هذا الموضوع. لا شك أنك ستسجل أن الدين احتل مكانة متميزة فى تاريخ الشعب المصرى منذ قديم الأزل. تقمص عزيزى القارئ شخصية أخرى، أنت لست بمؤرخ، ولكنك سائح أجنبى تريد التعرف على مدن مصر، ألن تلاحظ كثرة مساجدها وازدحامها بالمترددين عليها. لقد سمعت عن القاهرة مدينة الألف مئذنة، لم تعد كذلك وإنما صارت مدينة أكثر من خمسة آلاف مئذنة، وإذا تجولت فى الدلتا فستكتشف أن محافظة مثل الشرقية، وسكانها أقل من سكان القاهرة، ولكنهم يتفوقون عليها لأنهم يترددون على ثلاثة عشر ألف مسجد. لا شك أيضا أنك ستلحظ كذلك غلبة المحجبات بين نساء مصر خصوصا فى حضرها، وزيادة عدد الملتحين من الرجال، وتسأل عن أسباب ذلك قيقول لك من تسأله أن ذلك فى اعتقاد من يرتدين الحجاب أو النقاب أو من يطلق لحيته حتى من بين رجال الشرطة أن ذلك أحد مظاهر التدين الصحيح. وتعجب لهذه الإجابة، لأنك تصورت أن التدين الصحيح فى الإسلام هو البحث عن المعرفة استجابة لدعوة الآية الأولى فى القرآن (اقرأ)، وهو العمل الجاد ترجمة للآية الكريمة (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، أو هو إعمال العقل فى تأمل الكون والطبيعة وشئون المجتمع انسجاما مع ما أعلنه مفكر مصرى هو عباس محمود العقاد أن التفكير فريضة إسلامية. ولكنك ستسلم على أى حال بأن هذا هو فهم المصريين المسلمين لإسلامهم فى الوقت الحاضر.

 

 

وأخيرا أدعوك عزيزى القارئ أن تتقمص شخصية ثالثة أنت الآن أستاذ اجتماع، وتحاول معرفة مستقبل الدين فى مصر من خلال التعرف على اتجاهات الشباب نحو الدين، فهم الذين سيئول لهم حكم البلاد فى السنوات القادمة. ستدهش كثيرا عندما تقرأ مسح القيم العالمى الذى أجرته جامعة ميتشيجان ونفذه فى مصر مركز معلومات وصنع القرار التابع لمجلس الوزراء. الدين هو بالنسبة لـ96% من شباب مصر هو محل الاهتمام الثانى بعد الأسرة. بل إن مصر تحتل المكانة الأولى عالميا فى هذا الصدد. ويصف تسعون فى المائة من الشباب فى مصر أنفسهم بأنهم متدينون، وترتفع هذه النسبة بين الإناث، بل يضيف التقرير أن التدين يتزايد مع ارتفاع مستوى التعليم.

 

 

التلاعب السياسى باسم الدين

 

 

لماذا إذا هذا الإصرار على إقحام الدين على هذا النحو فى وثيقة الدستور الذى عرض على الشعب المصرى خلال الأسبوعين الماضيين؟ ولعلك لاحظت عزيزى القارئ أن قلة مثل هذه النصوص فى دساتير سابقة لم تؤد إلى خروج المصريين عن الإسلام، ولم يكن من نتائجها زحزحة الشعب المصرى عن أحد مقومات هوية غالبيته التى اكتسبوها عبر أربعة عشر قرن من الزمان. الإجابة على هذا التساؤل أن الدستور وثيقة سياسية، إنه أداة يستخدمها من وضعوه لتحقيق غايات سياسية. ولا بد أنهم بالفعل استشعروا خطرا، ولكنه ليس خطرا على الإسلام، ولكنه خطر عليهم، وهو أن يدرك المصريون المعنى الصحيح للدين الذى يترك للبشر الحرية أن يديروا أمور دنياهم الذين هم بحسب قول رسول الإسلام العظيم أعلم بشئونها، ومن ثم يريد واضعو هذا الدستور أن يستخدموا نصوصه لقهر معارضيهم ونعتهم بأنهم كفرة وملاحدة مثلما فعلوا من قبل فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ومثلما يفعل بعض خطباء مساجدهم، ولكن مثل هذه الادعاءات لن تنطلى على غالبية المصريين طويلا، وهنا سيدرك من صاغوا هذه الوثيقة أن الإسلام فى مصر لن يكون فى خطر وحاشا ذلك، ولكنهم هم الذين فى خطر، إن لم يتكيفوا مع حقائق العصر الذى يقوم على العقلانية والحرية.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved