حتى لا نفقد الأصدقاء!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 24 ديسمبر 2021 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

التصريحات الرسمية المصرية دائما ما تشدد على متانة العلاقات الاستراتيجية الممتدة منذ عقود بين القاهرة وواشنطن، وحرص مصر على تعزيزها، خاصة فى ظل الواقع الإقليمى المضطرب فى المنطقة وما يفرزه من تحديات متصاعدة.

لكن فى الأسبوع الماضى، كان هناك موقف لافت من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، عندما أشارت بشكل غير مباشر إلى أن هناك تحديا حقيقيا يهدد ثبات وقوة تلك العلاقات، وهو ملف حقوق الإنسان فى مصر، بل إن واشنطن رهنت تحسن العلاقات بين البلدين بحدوث تقدم فى هذا الملف الذى لا يزال يشكل صداعا مزمنا فى رأس الدولة المصرية منذ سنوات.
الموقف الأمريكى جاء بعد أن قضت محكمة جنح أمن دولة طوارئ فى مصر، الاثنين الماضى، بسجن الناشط علاء عبدالفتاح لمدة 5 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية. كما عاقبت المحكمة المتهمين، محمد الباقر، ومحمد أكسجين، لمدة 4 سنوات بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية وإذاعة ونشر أخبار وبيانات كاذبة داخل وخارج البلاد.
الخارجية الأمريكية ذكرت فى البيان الذى أصدرته أن واشنطن تتحدث مع مصر باستمرار بشأن قضية حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن العلاقات مع القاهرة يمكن أن تتحسن إذا حدث تقدم على صعيد حقوق الإنسان، مشددة على أن الحكومة المصرية على دراية تامة بالمخاوف الأمريكية.
الرد المصرى على التصريحات الأمريكية الصادمة جاء على لسان السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، الذى قال إنه «لا يجوز تناول مثل تلك المسائل القضائية فى أى أطر سياسية، أو ربطها بمسار العلاقات بين البلدين، لما ينطوى عليه ذلك من تعقيدات غير مبررة».
سبق أيضا الموقف الأمريكى بيان ألمانى صدر قبل إصدار الأحكام فى هذه القضية، حيث اعتبرت برلين التى تزدهر مصالحها الاقتصادية مع مصر فى الفترة الأخيرة، الحكم المرتقب «بمثابة إشارة للاتجاه الذى تتطور إليه حالة حقوق الإنسان فى مصر»، وهو ما استدعى ردا شديد اللهجة من الخارجية المصرية، ذكرت فيه أنها ترفض تدخل ألمانيا فى الشأن الداخلى المصرى، وأنه يجب عليها احترام سيادة القانون ودستور الدولة المصرية، والالتفات إلى تحدياتها الداخلية بدلا من فرض وصايتها على الغير.
من حق الحكومة المصرية أن تغضب وتثور، عندما يتعلق الأمر بتوجيه انتقادات حادة لها فى الملف الحقوقى، أو عندما تشكك عواصم عالمية كبيرة ومؤثرة مثل واشنطن وبرلين فى نزاهة واستقلالية قضائها، بل ونرى أنه واجب عليها الدفاع عنه بكل قوة أمام أية محاولة للنيل منه أو وضعه فى خانة الاتهام، حتى لا يصبح مستباحا من قبل الآخرين، وبالتالى تقويض ركن أساسى من أركان استقرار الدولة المصرية، لكن الغضب وحده لن يحل المشكلة، أو يمنع تكرار الانتقادات أو حملات التشكيك المهينة مرة أخرى، حال تصدى القضاء مجددا لنظر قضية تتعلق بحقوقيين وناشطين سياسيين.
المطلوب الآن وعلى وجه السرعة، قيام الحكومة بمراجعة حقيقية وشاملة لملف حقوق الإنسان فى مصر، ومعالجة الثغرات وأوجه القصور فيه، حتى لا نفقد الأصدقاء على الساحة الدولية، أو تصبح هذه القضية سيفا مسلطا على الدولة المصرية، تجبرها على اتخاذ سياسات وتوجهات لا تتسق مع مصالحها الوطنية وبما يهدد أمنها القومى.
ينبغى على الحكومة الاقتناع بأن التوجهات والإجراءات التى كانت تتخذها فى هذا الملف خلال السنوات الماضية، فى ظل ظروف سياسية وأمنية بالغة الصعوبة، لم تعد مناسبة فى الوقت الحالى، بعدما استردت الدولة عافيتها وثبتت أركانها، وبالتالى يجب أن تكون هناك مقاربة أخرى غير التى كانت تطرحها فى السابق، والتى كانت تشدد فيها على ضرورة عدم التركيز على تطبيق المفهوم الغربى لحقوق الإنسان، والنظر إليه بمفهومه الشامل، الذى يتضمن الحق فى الأمن والصحة والتعليم والمسكن الملائم، الذى يعد «عصب حقوق الإنسان».
كذلك يجب تفعيل ما تم اتخاذه من قرارات وسياسات، حتى لا تصبح حبرا على ورق، مثل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى تم الإعلان عنها فى سبتمبر الماضى، وتضمنت تطوير سياسات وتوجهات الدولة فى التعامل مع عدد من الملفات ذات الصلة بحقوق الإنسان، والبناء على التقدم الفعلى المحرز خلال السنوات الماضية فى مجال تعظيم الحقوق والحريات والتغلب على التحديات فى هذا الإطار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved