انقسام حاد بين قطبى السياسة الأمريكية تجاه حركة مقاطعة إسرائيل

جيهان فاروق الحسيني
جيهان فاروق الحسيني

آخر تحديث: السبت 25 يناير 2020 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

كشف استطلاع نشره «معهد بروكينغز للأبحاث» فى العاصمة الأمريكية واشنطن، أن هناك انقساما واضحا بين الأمريكيين تجاه حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها (BDS)، إذ أظهرت النتائج أنَّ 49% من المستطلعين أفادوا بأنهم يعارضون BDS بغض النظر عن الكيفية التى تُعرّف بها الحركة نفسها.
وأظهرت نتائج الاستطلاع المفصل الذى نظمه الباحث الأكبر فى «معهد بروكينغز للأبحاث» الأستاذ بجامعة ميريلاند البرفسور شبلى تلحمى (الفلسطينى الأصل) إلى أنَّ غالبية كبيرة من الديمقراطيين (80%) والجمهوريين (62%) والمستقلين (76%) يعارضون سن قوانين تقيد حق المقاطعة، كون ذلك ينتهك الحق الدستورى فى حرية التعبير والاحتجاج السلمى.
ويقول تلحمى فى استطلاعه الذى نشر يوم الجمعة (10 يناير الجارى): بالرغم من انشغال الأمريكيين بقضية عزل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وبمجموعة كبيرة من التطورات الإخبارية الحامية الأخرى مثل إيران والعراق، إلا أن مسألة السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ظلت طافية على السطح «لم تتفاد الجدل الوطنى الأمريكى فى الآونة الأخيرة».
الأمريكيون والأسئلة الصعبة.. ماذا تغيَّر؟
ويشير تلحمى إلى أن القرار التنفيذى الذى وقعه ترامب يوم 11 ديسمبر 2019 الماضى بشأن محاربة معاداة السامية، والذى اعتبره البعض محاولة لتقييد حرية التعبير التى تنتقد إسرائيل وسياسة الاحتلال الإسرائيلى ضد الفلسطينيين، والذى جاء بعد قرار أصدره مجلس النواب فى يوليو الماضى، والذى تناول مباشرة حركة مقاطعة إسرائيلBDS، الأمر الذى جعل من موضوع المقاطعة مسألة اهتمام لدى الأمريكيين وقضية بحث بينهم، أكثر مما كان متوقعا.
وأظهر الاستطلاع أن التغيير الأكثر أهمية هو ما حدث عبر السنوات العشر الماضية (ويحدث حاليا) فى المواقف الأمريكية العامة تجاه الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وهو زيادة الاستقطاب (والانشقاق) الحزبى بين الديمقراطيين والجمهوريين فى مسألة التأييد غير المشروط لإسرائيل.
ويقول تلحمى «خلال السنوات الثلاثين الماضية التى قضيتها فى إجراء استطلاعات للرأى العام حول هذه المسألة، كانت النتيجة دائمًا هى أن غالبية الأمريكيين، أى حوالى ثلثيهم، أرادوا ألا تتخذ الولايات المتحدة أى جانب من النزاع الإسرائيلى الفلسطينى، لافتا إلى أن هذا الأمر لم يتغير كثيرا. موضحا أن ما تغير على مدار العقد الماضى هو أن الجمهوريين (واليمين المحافظ) ازدادوا تأييدا لإسرائيل ويعبرون بدرجات أعلى عن ضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة الجانب الإسرائيلى بدلا من الحياد».
ويتابع: «على النقيض من ذلك، تزايد عدد الداعمين من الديمقراطيين (أكثر من 80% مؤخرًا) الذين يطالبون بضرورة أن تتخذ الولايات المتحدة موقف الحياد من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، فيما عبرت شرائح متساوية فى الحزب عن ضرورة عدم دعم طرف على حساب الآخر».
ويزيد تلحمى: «عندما بدأت فى مراقبة هذه الاتجاهات خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لاحظت أيضًا أن الفجوة بين الديمقراطيين المنتخبين ودوائرهم الانتخابية حول هذه القضية آخذة فى الازدياد، مع تزايد انتقاد الناخبين لإسرائيل أكثر من السياسيين الذين يمثلونهم».
الأمريكيون وحركة BDS
ويشير الباحث «تلحمى» إلى المجالات التى شهد فيها زيادة الاستقطاب واتساع الفجوة (بين الناخبين الديمقراطيين والذين يمثلونهم) والاستعداد لدى القواعد الانتخابية للعمل ضد سياسة الاستيطان الإسرائيلية فى الضفة الغربية، خاصة أنه ومنذ بضع سنوات وحتى الآن، أظهرت استطلاعات الرأى أن غالبية الديمقراطيين يريدون اتخاذ إجراءات ضد المستوطنات الإسرائيلية، بما فى ذلك فرض العقوبات، فى حين أن الجمهوريين والمستقلين على النقيض تماما، لا يريدون ذلك، لافتا إلى أنه لم يستخدم حركة مقاطعة إسرائيلBDS كمسألة للاستفسار بشأنها، كونها لم تكن موجودة أو لم تكن تحظى بعد باهتمام الأمريكيين، ولكن اليوم الأمر اختلف تماما بعد أن اتخذ عدد من أعضاء الكونجرس بشقيه النواب والشيوخ (خاصة من الحزب الجمهورى) وبدفع من منظمات اللوبى الإسرائيلى إلى سن قوانين تحرم مقاطعة إسرائيل أو حتى تجرمها، لافتا إلى أن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التنفيذى والذى اتخذه بهذا الخصوص ــ فى الثانى عشر من شهر نوفمبر الماضى ــ جعل قضية المقاطعة فى صلب الجدل الدائر حول الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
وقال تلحمى: «أضفنا فى شهر نوفمبر الماضى، لاستطلاع القضايا الحرجة فى جامعة ميريلاند أسئلة حول حركةBDS، بدءا من سؤال اختبار لتحديد مدى سماع المستجيبين للحركة على شاكلة «هل سمعت عن BDS، أو المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وعقوبات تستهدف إسرائيل؟» حيث أجاب ما يقرب من نصف المجيبين (49%) بأنهم سمعوا عن BDS بينما قال غالبية المشاركين، بما فى ذلك غالبية كبيرة من الجمهوريين، بأنهم يعارضون الحركة(..) لكن الأمر كان مختلفا بين الديمقراطيين، حيث قال بعضهم بأنهم سمعوا «قليلا» عن الحركة ولديهم فكرة عنها، فيما أظهر عدد كبير منهم 48% بأنهم يؤيدون الحركة، ولكن 15% (من الديمقراطيين) فقط يعارضونها».
يشار إلى أن الذين قالوا بأنهم سمعوا «قليلا» حول BDS وهم على الأرجح أقل اطلاعًا على الحركة من أولئك الذين قالوا إنهم سمعوا «بقدر جيد»، أو «كثيرًا»، حيث وجد الاستطلاع أن غالبية المستجيبين المطلعين بشكل أفضل من الديمقراطيين الذين قالوا إنهم سمعوا «جيدا» أو «كثيرا» عن BDS أيدوها بنسبة عالية (66%) مقارنة بـ 37% من المؤيدين الذين قالوا إنهم سمعوا «قليلا» عنها.
وطرح على الذين تم استطلاعهم «حجتين نموذجيتين» من الخطاب العام لصالح وضد حركة BDS للتحقق حول مدى موافقتهم أو عدم موافقتهم حيث وبشكل عام، قال تلحمى «36% من المستطلعين يتفقون مع الحُجة القائلة بأن BDS هى وسيلة شرعية وسلمية لمعارضة الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وإنها مستوحاة من حركة مناهضة الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، وإن حركة المقاطعة تحث على اتخاذ إجراءات للضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولى. وإن معارضة السياسة الإسرائيلية لا تساوى معاداة السامية فيما عارضها 43% بين الجمهوريين».
ويوضح تلحمى أن «49% من المستطلعين أفادوا بأنهم يعارضون BDS بغض النظر عن الكيفية التى تُعرّف بها الحركة نفسها، فهى منظمة معادية لإسرائيل تحاول إضعاف إسرائيل وتقويض شرعيتها، وبعض مؤيديها معارضون لوجود إسرائيل ذاته وقد يكونون معادين للسامية».
ويشير إلى أنه بعد إعطاء المستطلعين الفرصة لتقييم كل حجة بشكل مستقل، سُئلوا بعد ذلك أى حجة يؤيدون، حيث اتضح تماما الانفصام الحزبى، حيث قال 77% من الديمقراطيين بأن حجة دعم BDS أقرب إلى وجهة نظرهم فيما عارضها 85% من الجمهوريين.
ويقول تلحمى «بصرف النظر عن الأسئلة الخاصة بحركةBDS، فقد تم تقديم سؤال لجميع المستطلعين بشأن سن قوانين وتشريعات تحد من حق الناس فى مقاطعة إسرائيل، ويبدو أن المشاركين يتجاوزون الفجوة العامة فيما بينهم، بغض النظر عن وجهات نظرهم بشأن BDS أو مقاطعتهم لإسرائيل على نطاق واسع، لافتا إلى أن غالبية الديمقراطيين (80%) والجمهوريين (62%) والمستقلين (76%) يعارضون سن قوانين تقيد حق المقاطعة، كون ذلك ينتهك الحق الدستورى فى حرية التعبير والاحتجاج السلمى.
الجمهوريون والديمقراطيون.. و«إسرائيل»
وعلى صعيد الانتخابات ومدى انعكاس ذلك الأمر عليها، يوضح تلحمى أن الغالبية العظمى للجمهوريين يؤيدون إسرائيل بغض النظر عما تمارسه من انتهاكات للقانون الدولى أو لحقوق الإنسان الفلسطينى، مشيرا إلى الأسئلة الحرجة التى وجهت للمرشحين الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة، مثل ربط المساعدات لإسرائيل بسياستها تجاه الفلسطينيين، مما أقحم هذه المسألة (BDS) فى صلب النقاش، دفع مرشحين بارزين على الأقل مثل «بيرنى ساندرز وإليزابث وورن» للقول بأنه فى حال انتخابهما فإنهما سيستخدمان المساعدات الأمريكية لإسرائيل كوسيلة لضمان التزام إسرائيل بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
صحفية من واشنطن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved