على آبى أحمد تحمل مسئولية الحرب الخفية فى تيجراى

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الإثنين 25 يناير 2021 - 6:55 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة ذا جارديان مقالا للكاتب Simon Tisdall، تناول فيه حادث اغتيال وزير الخارجية الإثيوبى السابق سيوم مسفين، كما وصف بالتفصيل الوضع المأساوى فى تيجراى واحتمالية حدوث مجاعة برغم التعتيم الإعلامى وحالة الغموض التى يفرضها آبى أحمد منذ اندلاع المعارك بين الحكومة الفيدرالية وجبهة الشعبية لتحرير تيجراى فى نوفمبر الماضى، وأخيرا ردود الفعل الدولية تجاه ما يحدث هناك... نعرض منه ما يلى.
كان سيوم مسفين، وزير الخارجية الإثيوبى السابق، أحد أبرز الدبلوماسيين الأفارقة فى جيله. وقد قُتل هذا الشهر فى تيجراى من قبل القوات المسلحة لرجل أقل منه قدرا ــ آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا والحائز على جائزة نوبل للسلام. ويشير البعض إلى أن الجيش الإريترى، حليف آبى، هو من قتل سيوم، على الرغم من نفى خبر وجودهم فى تيجراى بشكل رسمى.
كان سيوم، المؤسس المشارك لجبهة تحرير شعب تيجراى عام 1975، دبلوماسيًا محترفًا. ووفقًا لأليكس دى وال، المتخصص فى شئون أفريقيا، كان سيوم صانع سلام ماهرًا فى رواندا والسودان «أشرف على إعادة تأهيل مكانة إثيوبيا الدولية» بعد عام 1991.
ظروف وفاة سيوم مسفين غامضة شأنها شأن الكثير من جرائم القتل والفوضى التى لم يتم الإبلاغ عنها والتى تحدث حاليًا فى شمال إثيوبيا، ويبدو أن الغموض هو ما يتعمده ويفضله آبى. فعندما أمر بشن هجوم للجيش على منطقة تيجراى الانفصالية فى نوفمبر الماضى، قطع الإنترنت وأغلق وكالات الإغاثة وحظر الصحفيين. إنه صراع يدعى أنه انتصر فيه لكن الواقع مختلف تمامًا. فهى حرب يتم خوضها فى الظل بعيدا عن الأعين، مع إبقاء العالم الخارجى فى الظلام.
***
لكن بعد أن تم السماح أخيرًا هذا الشهر للعاملين فى المجال الإنسانى بالوصول المحدود للأماكن التى طالتها دمار الحرب، قُدر أن 4.5 مليون من سكان تيجراى البالغ عددهم 6 ملايين شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية طارئة. ويقال إن مئات الآلاف يواجهون المجاعة. من جانبها، تحذر الأمم المتحدة من أن اللاجئين الإريتريين فى مخيم ماى اينى ومخيم عدى هروش فى إثيوبيا «فى حاجة ماسة للإمدادات» ويتعرضون للمضايقات من قبل العصابات المسلحة. كما يقال إن بعضهم أُعيدوا قسرا وبصورة غير قانونية لإريتريا.
بالرغم من ذلك، هناك مخيمان آخران أضرمت فيهما النيران، وهما شيملبا وهيتساتس، ولا يزال الوصول إليهما ممنوع على العاملين فى الهيئات الإنسانية. ويُعتقد أن العديد من سكان المخيميْن قد فروا من الميليشيات الإريترية والأمهرة.
ورد كذلك أن صور الأقمار الصناعية التى نشرتها شبكة DX Open ومقرها المملكة المتحدة تُظهر أضرارًا لحقت بـ400 مبنى فى شيملبا. ويشير فيليبو غراند آى، رئيس وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى «مؤشرات ملموسة على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى» فى تيجراى.
بشكل عام، هناك تقارير مستمرة وغير مؤكدة عن مذابح وتعذيب واغتصاب واختطاف ونهب أو تدمير المخطوطات القديمة والتحف فى تيجراى. ففى الأسبوع الماضى وصفت EEPA، وهى منظمة غير حكومية مقرها بلجيكا، ما حدث فى كاتدرائية فى أكسوم بـ «المذبحة» بعد مقتل 750 شخصًا ويُقال إن هذه الكاتدرائية تضم تابوت العهد. القوات الإثيوبية وميليشيات الأمهرة متهمون كذلك بارتكاب أعمال قتل فى كنيسة القديسة مارى فى صهيون، وهى جزء من موقع تراث عالمى للأمم المتحدة.
من جانبه قال محلل مطلع إنه على الرغم من مزاعم آبى بأن الحرب انتهت ولم يصب أى مدنى بأذى، إلا أن القتال المتقطع مستمر لقى على إثره الآلاف مصرعهم، وفر نحو 50 ألفا إلى السودان، والعديد منهم بلا مأوى، ويختبئون فى الكهوف. ويضيف المحلل إن القصف المدفعى المتعمد دمر مستشفيات ومراكز صحية وكأن الحرب السورية لاقت صداها فى تيجراى.
كما اشتكى عمال الإغاثة، الذين اجتمعوا هذا الشهر فى ميكيلى، عاصمة تيجراى، من أن الحكومة الإثيوبية ما زالت تعرقل جهود الإغاثة وطالبوا بتسهيل الوصول الكامل للأماكن المتضررة. ونقلا عن المسئول الإقليمى، برهانى جيبريتساديك، قال: «الناس يموتون جوعا. فى العدوة يموت الناس وهم نائمون. إنه نفس الشىء فى مناطق أخرى». ومع ذلك، لم تكن هناك استجابة تذكر من أديس أبابا.
***
هناك غموض حول تعاون الجانب الإثيوبى مع الجانب الإريترى فى الصراع الدائر فى تيجراى. هذا الغموض ناتج عن تناقض التصريحات الرسمية للجانبين الإثيوبى والإريترى مع روايات شهود عيان هناك بشأن قيام القوات الإريترية بعمليات اغتيال فى تيجراى. يبدو من الواضح أن رئيس إريتريا، أفورقى، قد تضامن مع قضية آبى. ولما لا وقد التقى الاثنان فى أديس أبابا فى أكتوبر الماضى، أى قبل وقت قصير من بدء الحرب، لمناقشة «تعزيز التعاون الإقليمى».
أفورقى يعد عدوا قديما يدير نظاما قمعيا وحشيا. لكنه يشاطر آبى كراهيته للقيادة التيجراية التى هيمنت على حكومة رئيس الوزراء السابق ميليس زيناوى خلال الحرب الحدودية التى دامت 20 عاما بين إثيوبيا وإريتريا. أبرم آبى، وهو من الأورومو أكبر مجموعة عرقية فى إثيوبيا، السلام مع إريتريا فى عام 2018، وأطاح بخصومه من التيجرايين، وأصبح على خلاف معهم منذ ذلك الحين.
أضف إلى ذلك كله، وجود أدلة بشأن تحالفات سرية بين الصومال وإثيوبيا. حيث ذكرت صحيفة الجارديان الصومالية هذا الشهر أن 2500 مجند صومالى عوملوا على أنهم «وقود للمدافع» بعد إرسالهم إلى قاعدة عسكرية فى إريتريا للتدريب، ثم تم نشرهم فى تيجراى مع القوات الإريترية. ووردت أنباء عن مقتل العشرات منهم.
***
التدقيق الدولى فى حرب تيجراى على يد آبى لطالما كان غائبًا إلى حد كبير باستثناء الاتحاد الأوروبى الذى علق إلى أجل غير مسمى 88 مليون يورو من المساعدات لأديس أبابا. ومن جانبه، قال جوزيب بوريل، مسئول الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبى: «نتلقى تقارير متسقة عن أعمال عنف تستهدف العرق، وعمليات قتل، ونهب، واغتصاب، وعودة قسرية للاجئين، وجرائم حرب محتملة». لكن تحذيرات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، إلى جانب القتل الصادم للسيد سيوم مسفين الذى يحظى باحترام دولى، قد يجلب الآن مزيدًا من التدقيق.
الآن آبى يخاطر بتدمير مكانة إثيوبيا الدولية الذى ساهم فى بنائها سيوم مسفين. فالحكومة الإثيوبية ليست مصدرا موثوقا للمعلومات. إريتريا ــ التى قد تكون نفذت اغتيالات ــ تلتزم الصمت. وكتب دى وال أن التقرير الرسمى الذى جاء فيه أن سيوم وزملاءه «رفضوا الاستسلام» غامض.
أشار التقرير أيضا إلى أن اثنين آخرين من كبار السن من التيجرايين اللذين قُتلا إلى جانب سيوم، البالغ من العمر 71 عامًا، هما أباى تسيهاى، الذى خضع مؤخرا لعملية جراحية فى القلب، وأسميلاش ولدسيلاسى، الذى كان أعمى. ولم يشكل هذا الثلاثى تهديدًا للقوات المدججة بالسلاح.
***
باختصار بعد ذكر هذه الحقائق والتقارير، يبدو أن آبى فقد السيطرة على الأحداث. حيث يسود غضب فى ميكيلى، بعد تنصيب إدارة ضعيفة، لتولى قضايا أمنية بما فى ذلك حالات الاغتصاب. وخطر المجاعة يلوح فى الأفق بشكل كبير وفى هذا الشأن علينا ذكر المجاعة الجماعية فى إثيوبيا فى منتصف الثمانينيات والتى صدمت العالم. ففيها مات حوالى مليون شخص وتم التغلب على تلك الفظائع فى وقت لاحق من خلال عقود من العمل الشاق.
لذلك من العار الشديد على آبى أن يطارد شبح المجاعة إثيوبيا مرة أخرى. وبناء عليه، عليه تسليم جائزة نوبل للسلام التى فاز بها والاستعداد للإجابة على أسئلة كثيرة حول أفعاله فى تيجراى.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved