مصلحة العالم فى الديمقراطية الأمريكية

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الأربعاء 25 يناير 2023 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب ريتشارد هاس، يقول فيه إنه وإن كانت قيادة الولايات المتحدة للعالم لم تخلُ من الأخطاء الجسيمة كحرب العراق 2003، إلا أن الانقسامات الأمريكية الداخلية سيكون تهديدها أخطر على الاستقرار والأمن الدوليين. مثلا، تآكل الديمقراطية الأمريكية ستجعل القوى المعادية تتصرف بجرأة أكثر دون الخوف من العقاب، حتى أن الانقسام الأمريكى فى مواجهة تغير المناخ سيؤدى إلى غياب الموارد والقيادة الأمريكية ومن ثم ازدياد الفجوة بين التحديات المناخية والاستجابة لها. رأى الكاتب أن الدول التى تنظر للأحوال الأمريكية بقدر من الشماتة، سيتأثرون سلبيا منها بصورة بالغة... نعرض من المقال ما يلى.
لأكثر من ثلاثة أرباع قرن من الزمن، اضطلعت الولايات المتحدة بدور بَـنّـاء ضخم فى العالَـم. من المؤكد أن الأمر لم يخل من أخطاء جسيمة، بما فى ذلك حرب فيتنام وحرب العراق فى عام 2003، لكن الولايات المتحدة كانت تحسن التصرف فى أغلب الأحيان.
والنتائج تتحدث عن نفسها. كان دخول الولايات المتحدة فى الحرب العالمية الثانية حاسما. وبسبب الإلحاح الأمريكى جزئيا، دخلت الحقبة الاستعمارية مرحلة النهاية السريعة، وإن لم تكن نهاية سلمية دائما. وقد ساعد إنشاء نظام تحالفات ما بعد الحرب فى ضمان بقاء الحرب الباردة باردة حقا وانتهائها بشروط تتفق مع المصالح والقيم الغربية. كما عملت مجموعة من المؤسسات والسياسات على توفير الأساس لنمو اقتصادى عالمى غير مسبوق وإطالة متوسط العمر المتوقع.
لكن قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار فى الاضطلاع بدور عالمى كبير ومؤثر أصبحت مُـحاطة بالشكوك على نحو متزايد. قد لا يكون لبعض الأسباب علاقة بالولايات المتحدة لكنها تؤثر على موقفها رغم ذلك.
كما ينطوى الأمر على تحديات خارجية. إن الاقتصاد الأمريكى، الذى كان بعد الحرب العالمية الثانية مسئولا عن نصف الناتج العالمى، ينتج الآن الربع فقط. والآن أصبحت القوة العسكرية موزعة على نطاق واسع بين دول ومجموعات أخرى. كما أصبحت موارد الطاقة والمعادن، وكذا مراكز التصنيع التى تعتمد عليها الولايات المتحدة وغيرها من الدول، موزعة على نطاق واسع. يمنح توزع القوة والثروة على هذا النحو آخرين القدرة على مقاومة أو صد نفوذ أمريكا وقوتها. وتتمثل مكانة أمريكا فى هذا العالم فى الأسبقية والصدارة فى مجمل الأمر، ولكن ليس الهيمنة.
الواقع أن قدرة أمريكا على فرض إرادتها أصبحت مقيدة على نحو متزايد بفعل العولمة. وسواء كانت القضية تغير المناخ أو الفيروسات، فلا تستطيع الولايات المتحدة عزل نفسها عن العواقب الباهظة التكلفة المترتبة على تطورات تحدث خارج حدودها، ولا قِـبَـل لها بإيجاد الحلول منفردة. وعلى هذا فلم تعد الانعزالية ولا الأحادية خيارا واردا.
لكن ما قد يشكل التهديد الأشد خطورة للأمن والاستقرار العالميين ينبع من تطورات جارية داخل الولايات المتحدة، من الانقسامات السياسية والاجتماعية العميقة التى تهدد قدرة البلاد التنافسية، وقدرتها على تصميم وتنفيذ سياسة متسقة، بل وحتى استقرارها.
لا شك أن بعض القراء سينظرون بقدر ليس ضئيلا من الشماتة إلى كل هذا ويستمدون الرضا عن الذات من الصعوبات التى تواجهها الولايات المتحدة بعد عقود من الاضطرار إلى السير على خطا أمريكا. لكن أى إشباع من هذا القبيل لن يدوم طويلا، لأن المصاعب التى تبتلى أمريكا، فى عالَـم يتسم بالعنف أحيانا ويخضع لتأثيرات تكتنفه بالكامل دائما، سرعان ما تتحول إلى مصاعب تقض مضاجعهم هم أيضا. وسوف يستخدم تآكل الديمقراطية الأمريكية من قِـبَـل الحكومات المعادية للديمقراطية فى أماكن أخرى لتبرير وتوسيع نطاق قمعها لشعوبها. وفى غياب الاقتصاد الأمريكى القوى، ستنمو اقتصادات بلدان أخرى بسرعة أبطأ مع تراجع صادراتها.
إن الولايات المتحدة الأكثر ضعفا والأقل قابلية للتنبؤ من شأنها أن تتسبب فى تمزيق نسيج التحالفات، التى تتطلب لكى تكون فَـعّـالة المساعدة المتبادلة لتكون شبه مؤكدة. على نحو مماثل، ستزداد جرأة الخصوم على اعتقاد منهم بأنهم قادرون على التصرف دون خوف من عقاب. وسوف تكون النتيجة عالما يتسم بصراعات أشد تكرارا، حيث تنتشر الأسلحة المتقدمة على نطاق أوسع وحيث تفرض دول عدوانية قدرا أعظم من النفوذ.
علاوة على ذلك، سوف تفتقر الولايات المتحدة المشتتة والمنقسمة فى الداخل إلى القدرة والإجماع لممارسة القيادة فى التصدى لتحديات عالمية مثل تغير المناخ. وفى غياب الموارد والقيادة الأمريكية، يكاد يكون من المؤكد أن الفجوة الكبيرة بالفعل بين هذه التحديات العالمية والاستجابات العالمية لها ستزداد نموا. ولا توجد دولة أخرى أو مجموعة من الدول على استعداد لاحتلال مكانة أمريكا على المسرح العالمى أو تمتلك القدرة على الاضطلاع بتلك المهمة.
السؤال إذن هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على استعادة موطئ قدمها قريبا والعودة إلى هيئة أشبه بتلك التى كانت عليها طوال السنوات الخمس والسبعين الماضية. هناك بعض العلامات المطمئنة. فقد كان الدعم الاقتصادى والعسكرى الذى قدمته أمريكا لأوكرانيا قويا. كما جاءت نتائج انتخابات التجديد النصفى فى نوفمبر 2022 لتطمئننا بعد هزيمة العديد من المرشحين الأكثر تطرفا الذين يشكلون أكبر تهديد للديمقراطية الأمريكية.
ولكن هناك أيضا تطورات أقل طمأنة. لقد احتفلنا للتو بالذكرى السنوية الثانية لهجوم السادس من يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأمريكى، الذى اقترب من تدمير الديمقراطية الأمريكية. لا أحد يستطيع أن يفترض أن مثل هذه الاحتجاجات العنيفة لن تحدث مرة أخرى. والآن بعد أن أصبحت الحكومة المنقسمة حقيقة واقعة مرة أخرى، يتبقى لنا أن نرى ما إذا كان الرئيس الديمقراطى ومجلس الشيوخ الديمقراطى ليتمكنا من إيجاد أى أرضية مشتركة مع مجلس النواب الذى يقوده الجمهوريون. الواقع أن العلامات المبكرة ليست مبشرة، حيث يبدو الجمهوريون الممكنون حديثا أكثر تركيزا على التحقيق ووضع العراقيل من اهتمامهم بالتشريع والقيادة.
فى مناسبة شهيرة، قال ونستون تشرشل: «يمكنك دائما أن تعتمد على قيام الأمريكيين بالتصرف السليم ــ بعد أن يجربوا كل شىء آخر». هذه المقولة توشك أن توضع محل اختبار الآن. المشكلة هى أن بقية بلدان العالم ستتأثر بصورة بالغة بما يحدث فى الولايات المتحدة، لكن قدرتها على التأثير على التطورات هناك ضئيلة أو معدومة. إنها حقيقة غير مريحة ولكن لا يمكن الفرار منها.
النص الأصلى: http://bitly.ws/zm

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved