كى لا ننسى

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 25 فبراير 2012 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

حين كتب عبدالرحمن منيف روايته «شرق المتوسط» عام 1972 والتى مهدت فيما بعد لما سمى أدب السجون، كانت بداية مقاومة السلطات العربية بالادعاء أن الأمر لا يعنيها، إذ جاءت الرواية بصيغة التعميم متحدثة عما يتعرض له السجين من قسوة ومهانة فى الزنازين بمنطقة حوض المتوسط الجنوبى والشرقى. وكما أوضح منيف فى مقدمة للكتاب أضافها فى التسعينات أن كل دولة كانت تنظر إلى الأخرى باعتبارها المعنية، أما هى فبريئة مما يقال.. هناك دوما طرف آخر مجهول هو المسئول عن عذابات هؤلاء.

 

وتماشيا مع المبدأ نفسه، نسمع يوميا صرخات أهالى الضحايا والشهداء، يهتفون ضد الداخلية والعسكر لإحساسهم بالظلم وضياع حقوق ذويهم.. نرى شبابا وفتيات تتبدل ملامحهم وتزداد وجوههم قسوة مرددين: لكى تتفاعل معنا وتشعر مثلنا يجب أن تكون قد رأيت شهيدا واحدا على الأقل سقط فى الميادين أمام عينيك.. والسلطات «ودن من طين وودن من عجين». ثم نقرأ حكاية أخرى عن مواطن بسيط من محافظة الشرقية تم القبض عليه واحتجازه والتنكيل به لمدة عشرة أشهر دون وجه حق وبلا تهم واضحة، لمجرد أنه قد نسى بطاقة تحقيق الشخصية، فيتحول إلى إنسان ثورى.

 

●●●

 

الإحساس بالظلم عادة يتولد عنه موقفان متضادان، إما الثورة وما يتبعها من غضب عارم ورغبة فى الانتقام والثأر وعدم القدرة على المغفرة، إما نوع من القدرية والميل إلى الاستسلام وقبول الشر على أنه «مقدر ومكتوب». وفى كل الأحوال يصاحب ردتى الفعل ألم نفسى عميق وخلل ما نعجز معه عن ممارسة حياتنا بشكل طبيعى.. ونجد أنفسنا مجددا فى حلقة مفرغة، فى مكان ما من شرق المتوسط، حيث لا حياة لمن تنادى.. حيث يمارس البعض استغلال النفوذ والسلطة على البعض الآخر، كلنا ضحية وكلنا جلاد، فيتفاقم الإحساس بالظلم حتى بعد نزول الناس للشارع طلبا فى العدالة.. ويتضح للبعض أن المعادلات من عينة «ذاكر تنجح» و«من جد حصد» أو «للخير دائما الغلبة فى النهاية» لا مجال لها سوى فى الحواديت وأفلام الرسومات المتحركة، فيزداد الحال سوءا. ويبرز العنف كمحاولة لاستعادة الحقوق. نصرخ حين لا يستمع إلينا أحد وقد وقع ظلم علينا.. فلسنوات طوال تقلص العمل السياسى بمعناه الحقيقى، وأصبح لا يوجد اعتراف بالآخر ولا تسامح مع الرأى المختلف. وبعد كل هذه السنوات الطوال دخلنا فى علاقة مغايرة، عشق وغرام مع الوطن، فأظهر كل منا أحسن ما فيه لفترة، ثم أتت مرحلة التنازع على السلطة بعد زوال النشوة.. تصاعد التوتر لاختلاف الرغبات والتوقعات، هنا إما أن تفشل العلاقة أو تستمر.. فهى على المحك، وكثيرا ما تفشل، إلا فى حال الوصول لصيغة توافقية لتقاسم السلطة مع احترام خصوصية الأطراف المعنية ويبدأ الارتباط الحقيقى وغير المأسوف عليه. أما بخلاف هذا فسيستوطن الألم ويشعر أحدهم بالغبن ويصرخ بأعلى صوت «لا صفح ولا نسيان».. وتكون العودة لـ«شرق المتوسط».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved