هل يجب أن تكون السينما خارج السياسة؟

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: السبت 25 فبراير 2023 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

هل يمكن للفن أن يكون خارج السياسة؟ وتحديدا السينما، ذلك النوع الأكثر جماهيرية وبقاء فى ذاكرة الجمهور، هل يجب عليها أن تكون خارج السياسة؟

السؤال الذى طرحه الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلنيسكى فى مهرجان برلين السينمائى، فى دورته الـ73، سيظل سؤالا أبديا، ولن نقف أمام إجابة واحدة محددة.

قد يقول قائل إن الظرف السياسى الذى يعيشه العالم بات اليوم ملحا لتكون السينما والفن طرفا فى السياسة، بينما يرى آخرون أنه لا ضرورة لتسييس الفن.

الرئيس الأوكرانى خلص فى نهاية طرحه للقضية «الجدلية فنيا» إلى أن السينما يمكن أن تكون خارج السياسة، ولكن ليس عندما تكون سياسة عدوانية وجرائم جماعية وقتل وإرهاب، ولا عندما تكون سياسة حرب شاملة».

لا يخفى على أحد أن السينما ليست بعيدة تماما عن التوظيف السياسى، كان ذلك ماثلا فى أحداث الحرب العالمية الأولى، وظلت تدلى بشهادتها عن دوافعها ونتائجها حتى اليوم، وكذلك قدمت أفلاما عن الإرهاب الدولى والجماعات المتطرفة، وكان للسينما المصرية نصيب من هذا الإنتاج.

والسؤال هو كيف تشكل السينما والسياسة بعضهما البعض وما درجة التأثير، الواقع يقول إن العلاقة بينهما متعددة الأوجه، شديدة التشابك فالسياسة عالم واسع بلا حدود يدخل فى كل المناحى بتنوع الحياة التى نعيشها، والسينما فن رحب له جماهيريته فى كل أنحاء العالم.

فالسينما الأمريكية لم يخل إنتاجها من التوظيف السياسى لصالح وجهات نظر محددة، ولم تكن فى معظم إنتاجها بريئة فى تناول الأحداث، بل تريد دائما أن تترك انطباعا لدى الجمهور من الأجيال الجديدة، ولم تدن نفسها فى كثير من القضايا التى كانت جزءا أصيلا بها، سوى فى عدد قليل من الأعمال، أما نموذج روسيا السوفيتية فاستطاعت استخدام وتوظيف الفيلم للتعبير عن أيديولوجيتها وأجادت استخدامه كأداة دعائية لها، بخلاف السينما الأوروبية التى تناولت الحروب والأزمات برؤى أكثر إنسانية وشفافية.

بينما السينما العربية والمصرية فكانت أكثر مباشرة فى خطابها السينمائى، بتنوع أدواتها التعبيرية أكثر من ترسيخ كيانها الفنى فكريا وابداعيا، إثراء له بمستويات تحليل أكثر نفاذا واستبصارا. ولنا فى بعض افلام الستينيات والسبعينيات والتسعينيات أيضا وقليل من الأعمال الحديثة نموذج.

فى إشكالية تلك العلاقة نجد أنه يمكن للفن السينمائى أن يساهم فى الخطاب السياسى من خلال دعم الآراء السياسية والأيديولوجية الحالية، ويمكن أن يكون أداة لتغيير الحقائق السياسية والاجتماعية القائمة، يمكنه أيضا معالجة بعض القضايا السياسية أو إعادة تفسير الهياكل الاجتماعية المختلفة.

يمكن أن يكشف عن قوة مختلفة التوازنات فى المجتمع، وتقديم مفاهيم بديلة لأحداث معينة، يمكن للفنانين فإننا نتناول دور السينما هنا كأداة للتنظير السياسى، وكذلك للحركة السياسية كأداة أيديولوجية ودعائية. أن يكونوا نشطاء أنفسهم، كجزء من حركة وعى فى إطارالدورالنقدى الذى يمكن أن يلعبه الفن فى المجتمع.

إنه الفن الذى يطرح أسئلة حول العالم من حولنا بدلا من تقديم الإجابات.

دور الفن فى عالم اليوم لا ينتهى فقط فى تسليط الضوء على المظالم التى تحدث من حولنا. يمكن للفن أن يدعم بل ويخلق بدائل سياسية معينة للوضع الراه.

يمكن للفن أن يلهم الناس ويمكّنهم من أن يصبحوا صانعى التغيير فى محيطهم لجعل حياتهم مكانا أفضل للعيش فيه.

نعم كل ما نقوم به اليوم سيصبح فى النهاية تاريخا، ويمكن أن يكون الفن وسيلة للحفاظ على الأحداث التاريخية الهامة، دون تسييسها.

نعم الصورة السينمائية وجهة نظر وليس بورتريها لواقع، لكن وجهة النظر تلك، يجب أن تكون انسانية خالصة من بشر لبشر دون وصايا على الفكر والمشاعر، وليست كأداة للتنظير السياسى، أو كأداة أيديولوجية ودعائية.

على السينما أن تتمسك بصيغتها ووظيفتها الديمقراطية التى تمنحها لها سمات جماهيرها، بلا شفرة سرية والتى تختلف عن سمات جماهير أشكال الفنون الأخرى.

يجب أن تكون ما تقدمه السينما من أفلام يتحرك فيها الناس ببساطة من مستوى اجتماعى وفكرى لآخر بتعزيز مبدأ «كل شخص صانع مصيره» وهو المبدأ الدافع لتلك الجماهير لارتياد السينما لما تقدمه لها من شعور بالارتياح والطمأنينة لقناعتها وتطلعاتها، والتى قد تكون واهمة وزائفة وخيالية، إلا أنها تشعرها بالارتياح لقدرتها على إيصال المعنى والفكرة والغاية بسلاسة وانسياب، وبصورة بصرية قد تكون للكثيرين أكثر محفزا للاستنارة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved