تراث عبدالوهاب فى مهب الريح

ريم سعد
ريم سعد

آخر تحديث: الخميس 25 مارس 2010 - 9:51 ص بتوقيت القاهرة

 نحتفل هذه الأيام بذكرى ميلاد الفنان محمد عبد الوهاب. وإذا كنت من محبى فن موسيقار الأجيال وأردت أن تحتفل بذكرى ميلاده عن طريق إهداء نفسك أو من تحب اسطوانة (سى. دى) لباقة من أجمل أغانيه فما عليك إلا التوجه إلى أقرب محل محترم لبيع الاسطوانات الأصلية لتختار منها ما يروق لك. ستجد مثلا اسطوانة «جفنه علم الغزل» وبها غير تلك الأغنية أغنيات «خايف أقول اللى فى قلبى» و«سكت ليه يا لسانى» و«يا وابور قوللى» و«كان أجمل يوم» و«يا ورد مين يشتريك» و«بالليل يا روحى». غلاف الاسطوانة الجذاب يحمل علامة شركة «صوت الفن» وهو جميل الإخراج وتتوسطه صورة للموسيقار يحمل عوده. لو اتبعت نصيحتى ولو كنت فعلا من محبى الفنان عبد الوهاب ومن المتذوقين لموسيقاه وأغانيه فسوف تصاب بصدمة شديدة وتصب عليَ وعلى اقتراحى اللعنات فور قيامك بتشغيل الاسطوانة والبدء فى الاستماع لما يصدر منها.

باختصار ستجد أن الأغانى الأصلية بالموسيقى الأصلية بصوت عبد الوهاب تبدو وكأنها كما هى تقريبا وإن كانت ليست هى على الإطلاق، فقد خضعت لإعادة التوزيع (ريمكس) بإضافة موسيقى إلكترونية تتداخل مع التوزيع والعزف الأصلى بل ويتم تغيير اللحن أحيانا خاصة فى المقدمات الموسيقية. ينطبق هذا على الاسطوانات الأخرى لعبد الوهاب من إنتاج «صوت الفن» وأيضا على شرائط الكاسيت وإن كانت الأخيرة على الأقل تتميز بإضافة عبارة «توزيع جديد» على الغلاف وبالتالى لا يتعرض المستهلك للتدليس الذى يتعرض له حين يشترى اسطوانة لا يدل شكلها على حال مضمونها. والتدليس قضية خاصة بحقوق المستهلك وهى المشكلة الأصغر بجانب مصيبة تشويه التراث.

لست خبيرة بالقوانين المنظمة لتجارة الحقوق الفكرية والفنية وقد لا تنطوى خطيئة «صوت الفن» على مخالفة قانونية مما يعنى أن تراثنا الفنى بأكمله يقع تحت رحمة أذواق وأهواء صاحب الحقوق الذى ارتأى فى حالتنا هذه أن كلاسيكيات عبد الوهاب كما تركها لنا ثقيلة الظل بعض الشىء وأنها قد تبيع أكثر لو «فرفشناها» قليلا.

تراث عبد الوهاب الفنى يواجه خطر الاختفاء لا أقل. فالتسجيلات المشوهة هى السائدة فى الأسواق ومن الصعب الآن الحصول على النسخ الأصلية. والأخطر أن هذه العملية لا تتم فى «بير السلم» ولا فى إطار قرصنة بعض الهواة وإنما تحت حماية القانون وتحت سمع وبصر الجميع. والغريب فى الأمر أن اختفاء التسجيلات الأصلية ينطبق فقط على السوق المحلية أما الاسطوانات التى تنتجها شركات عالمية وتطرح فى أسواق أوروبا فهى تسجيلات عالية الجودة والأهم أن يد العبث لم تمتد لها.

على من تقع مسئولية حماية التراث؟ ولماذا تغضب عائلات الفنانين حين لا تروقهم الأعمال الدرامية التى تتناول الحياة الشخصية للفنان ولا يغضبون بنفس القدر حين يتم تشويه أعز ما يملك الفنان وجمهوره وهو الفن نفسه؟ وكيف يكون من اشترى الحقوق (وهى عملية تجارية بحتة) هو المتحكم الأول والأخير فى مصير تراثنا الفنى يعبث به كما يشاء؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved