خمسة جياد فى سباق

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأربعاء 25 مارس 2015 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

لا توجد رهانات كبيرة على القمة العربية المرتقبة شأن أية قمة سبقتها فى العقود الأخيرة.

فالقمم تلتئم وتنفض دون أن تؤثر فى مجريات الحوادث الملتهبة بالمنطقة أو يتبقى من ذكرها سوى بعض الكوارث كتوفير غطاء سياسى لحروب قوضت دولاً عربية كالعراق وليبيا وكثير من العجز عن إدارة أية أزمة إقليمية دون استثناء واحد.

تصدع النظام العربى قصته طويلة انهيارا بعد آخر حتى أصبح الرهان على القمم مقامرة بالأمنيات.

هذا استنتاج عام استقر فى العالم العربى الذى تتمدد فيه كتل النيران دون أن يعرف لها حدودا، فكل الدول تقريبا تحت التهديد نفسه.

فى اللحظة التى تنعقد فيها القمة يواجه العالم العربى أسئلة وجودية لا سبيل إلى تجاهل تحدياتها إلا أن يكون الأمر انتحارا.

بعض الأسئلة تتعلق بمستقبل الجامعة العربية، فلم يعد ممكنا تمديد الفشل العربى المشترك إلى مالا نهاية دون أن يتبدى أمل ما فى اقترابات جديدة من المتغيرات العاصفة.

بعضها الآخر تطرح مستقبل الخليج على محك أية ترتيبات تلحق التوصل المحتمل إلى اتفاق أمريكى إيرانى بشأن المشروع النووى.

وبعضها الثالث تلح على صورة الخريطة العربية فى مرحلة «ما بعد داعش».

القضية ليست الحرب على «داعش» ونظيراتها، فهذه الظاهرة مرشحة للأفول النسبى وانحسار تمددها على الأرض فى المدى المنظور، بقدر ما هى الترتيبات التى سوف تعقبها على مسرح العمليات.

قد تفضى الترتيبات المحتملة إلى تقويض النظام العربى كله وإطلاق رصاصة الرحمة عليه والبحث فى نظام إقليمى جديد تلعب فيه إيران دورا أكثر مركزية، وتتراجع أية أدوار أخرى.

حقائق القوة وحدها هى التى تتحدث، ومفهوم القوة أشمل من أن يكون عسكريا، وهذه معضلة النفوذ الإيرانى على أى مدى متوسط، فإن لم تنجح فى بناء تفاهمات مع الأطراف الإقليمية الأخرى فإن كل صعود موضوع أزمة وكل أزمة عنوان إنهاك.

فى اللحظة التى تنعقد فيها القمة يتبدى سباقا ضاريا على القوة والنفوذ تشارك فيه خمسة جياد إقليمية، مصر والسعودية من داخل العالم العربى، وتركيا وإيران فى محيطه المباشر، وإسرائيل حاضرة تنتظر فرصتها.

الجياد الأربعة الأولى وجودها طبيعى بأى معنى تاريخى وجغرافى وثقافى، بينما الخامس مصطنع كأنه قلب مزروع فى جسد يرفضه رغم مرضه المزمن.

فى القمة العربية المرتقبة اختبار ما لقوة التحالف المصرى السعودى ومدى كفاءته على أن يكون قاطرة جديدة لنظام إقليمى متهالك.

ثمة رهانات سياسية متبادلة بين الجيادين العربيين تلخصها المصالح المشتركة، فمصر تراهن على دور خليجى فى تعافيها الاقتصادى الضرورى لأى دور إقليمى محتمل ينفض عنها الانكفاء الطويل، والسعودية تراهن على أن تقوم الدولة العربية الأكبر على قدميها بأسرع وقت ممكن حتى توازن إيران فى معادلات المنطقة وتوفر للخليج وثيقة ضمان لأمنه بالمعنيين العسكرى والسياسى.

مساحات التوافق فى ملفات الخليج واليمن وليبيا شبه متماهية غير أن هناك ظلالاً كثيفة على ملفات أخرى مثل الأزمتين السورية والعراقية وطبيعة العلاقات مع تركيا وإيران.

فيما تطلب الرياض تحالفا يضمها إلى مصر وتركيا فى مواجهة إيران وحلفائها واقترابا مختلفا من جماعة الإخوان المسلمين، فإن القاهرة تتحفظ، فليست لها مصلحة واحدة فى دخول مثل هذا الحلف.

لهذا السبب بالذات طرحت الرئاسة المصرية مشروع «القوة العربية المشتركة» قاصدة أن تكون هناك بدائل أخرى معروضة على الحليف السعودى.

هذه الفكرة سوف توضع تحت الاختبار الجدى فى القمة العربية، فهناك أكثر من فيتو عليها من أطراف دولية وإقليمية، إذ إنها قد تعنى تلويحا بالقوة لمنع سقوط عدن فى قبضة الحوثيين الموالين لإيران، وهذه ضربة قاصمة للأمن السعودى المباشر.

بالحساب المصرى لا أحد يطلب التدخل العسكرى لكن القوة تضفى هيبتها على السياسة.

بالحساب السعودى فإن الدور المصرى لا يمكن الاستغناء عنه وهو أخطر وأهم من المقامرة به فى حسابات متعجلة.

هذه نقطة تستدعى حوارا استراتيجيا صريحا ومباشرا يحاول فى وقت واحد خفض التوتر مع تركيا وفتح قنوات مع إيران.

بالنسبة للدبلوماسيين المصريين، فإن غالبيتهم الساحقة تطلب الأمرين معا، فتجاهل اسطنبول لا يقل حماقة عن تجاهل طهران.

لا يعنى الحوار قفزا إلى المصالحة مع العاصمتين قبل استكمال مقوماتها أو إضرارا على أى نحو بأمن الخليج، فهذا خط أحمر نهائى.

بالقرب من التئام القمة العربية فإن الرئاسة المصرية أكثر ثقة فى نفسها بعد الاختراق الكبير لعلاقاتها الدولية فى مؤتمر «شرم الشيخ» وتغير موازين القوى العسكرية فى الصراع على المستقبل الليبى.

غير أن التطورات المتلاحقة تضع على أكتافها أحمالاً ثقيلة، فكل بنود القمة ملغمة، وتستدعى توافقات يصعب الوصول إليها.

باليقين، فإن إيران هاجس القمة الأول والأساسى، فلا أحد بوسعه أن يتجاهل تمركزها فى أربع عواصم عربية بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ولا أزماتها ولا طموحاتها ولا أنها الطرف الميدانى الرئيسى فى الحرب مع «داعش».

بعد احتلال بغداد عام (٢٠٠٣) تقدمت تركيا وإيران معا فى غياب مصرى كامل لملء الفراغ فى المشرق العربى بطريقتين مختلفتين.. الأولى بقوتها الاقتصادية البازغة حيث تحتل المركز السادس على المستوى الأوروبى وقوتها الناعمة حيث تتبدى المشتركات الثقافية.. والثانية بوضوح أهدافها الاستراتيجية وقوة تحالفاتها قبل قوة السلاح، وهذا ما افتقدته بفداحة الأطراف الإقليمية الأخرى.

بسرعة غير متوقعة تراجعت رهانات استنبول على أن القرن الحادى والعشرين فى المنطقة سوف يكون تركيا بحسب المصطلحات التى شاعت فى لحظة الصعود وبريقها.
من المثير أن «رجب طيب أردوغان» الذى قاد الصعود التركى هو نفسه الذى يتحمل مسئولية انكساره، تملكته «عقدة السيسى» بأكثر مما هو طبيعى بأى قياس لمصالح الدول وراهن على جماعة سياسية ضرب عمودها الفقرى فى مركزها بأكثر مما هو محتمل لأية دولة لها مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية فى أكثر مناطق العالم اشتعالاً.

بقدر الإثارة نفسها فإن نقطة الضعف الرئيسية فى الصعود الإيرانى هى ذاتها سبب قوته.

أن يكون التقدم على أساس مذهبى يفرز الحلفاء بسهولة لكنه يفجر العدوات بذات الدرجة ويمنع عن الأدوار قدرتها على الرسوخ لفترة طويلة.

فى هذه النقطة بالذات تكمن قوة الدور المصرى وقدرته على الإلهام إن توافرت سياسة تقنع وتؤثر.

الأكثر إثارة فى سباق الجياد الإقليمية أن إسرائيل رغم قوتها العسكرية الباطشة تبدو بأضعف حالاتها السياسية، فمع تقويض حل الدولتين بصورة كاملة تبدو السياسة الإسرائيلية فى حالة انكشاف تحرج حلفائها الغربيين، وتنزع أية ادعاءات مراوغة تسوغ الاستيطان والقمع وحصار غزة والتنكيل بكل ما هو فلسطينى.

بتلخيص رمزى فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتانياهو» أقرب إلى جواد يتصور أن بوسعه الربح دائما بخسارات الأخرين والتوسع المجانى من ثغرات العجز العربى الفادح.

وكأى رهان من مثل هذا النوع فإنه لا يمكن الوثوق فى تمدده بلا أثمان تدفع، وهو مرشح أن يدخل فى الحائط مع زيادة منسوب الغضب الغربى، الشعبى أولا والبرلمانى ثانيا، على السياسات الإسرائيلية.

بالقرب من قمة عربية جديدة لا رهانات كبرى عليها فإن أهم ما يستحق الالتفات إليه طبيعة التفاعلات أكثر من نصوص القرارات.

فالأولى تؤشر لحسابات القوة والنفوذ فى سباق الجياد الخمسة والثانية تنتسب على الأغلب إلى المحفوظات المعتادة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved