السجل المصرى الملغم

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الجمعة 25 مارس 2016 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

هناك ما يشبه الإجماع الدولى على تردى السجل المصرى فى الحريات وحقوق الإنسان.


كأى أوضاع مماثلة فإنها تؤذن بانتقادات ترتفع وتيرتها واحتمالات تفاقمها إلى مستويات تقوض أية فرص لتعافى الدولة المنهكة وتجاوز أزمتها الاقتصادية المستحكمة.


درجة الانتقاد تختلف حدتها من دولة إلى أخرى بحسب رهاناتها ومصالحها غير أنه فى كل الحالات لا يمكن لأحد فى العالم أن يتجاهل السجل الملغم، أو أن يصمت عما يحتويه من انتهاكات بعضها موثق ومظالم أغلبها مؤلم.


رغم لغة المصالح التى تحكم حسابات الدول الكبرى فإنها لا يمكن أن تتجاهل تأثير «الميديا» و«المنظمات الحقوقية» ومراكز الأبحاث التى تعمل داخلها.


بحسب دبلوماسى إيطالى مطلع على ما يجرى فى مصر ليس بوسع أية حكومة غربية أن تغض الطرف عن انتقادات مراكز التفكير والتأثير فى بلدانها أيا كانت درجة المصالح.


فى الحالة الإيطالية هناك تضاد بين اعتبارات المصالح وضغوط الرأى العام.


الأولى، تستند على شراكة تجارية مع مصر، الأكبر من بين الدول الأوروبية، وحسابات استراتيجية تتعلق بالترتيبات المحتملة فى ليبيا التى تدخل فى دائرة أولويات سياساتها الخارجية.


الثانية، تزكيها وقائع مقتل الباحث الشاب «جوليو ريجينى» بطريقة «مشينة» فى ظروف «مريبة».


ورغم أنه لا توجد أية قرائن حتى الآن تثبت تورط أية أجهزة أمنية فى الحادث المروع إلا أن صورتها شبه المدمرة وما هو منسوب إليها من تغول على حقوق مواطنيها دعت الاتجاهات الغالبة فى المتابعات الإعلامية والحقوقية والأكاديمية إلى توجيه الاتهامات المسبقة قبل أية تحقيقات.


بعض التصريحات المصرية بدت كارثية تماما.


حيث حاولت النفى بأكثر الطرق سذاجة كادت تثبت التهمة وتؤكدها.


أيا ما كانت الاحتمالات فى واقعة مقتل «ريجينى» من مصلحة مصر وصورتها أمام نفسها قبل العالم إجلاء الحقيقة بكل شفافية وعقاب المتورطين بكل حزم.


الإيطاليون لا يميلون إلى التصعيد حرصا على مستوى التفاهمات مع القاهرة لكن ذلك لا يعنى تفريطا فى جدية التحقيقات والإطلاع عليها.


بقدر التقدم فى إصلاح الجهاز الأمنى وتحسين صورة الحريات وحقوق الإنسان يمكن ضخ دماء جديدة فى العلاقات الثنائية بين البلدين.


هذه حقيقة إغفالها يفضى إلى خسارة كل شىء.


بحسب مصادر دبلوماسية فرنسية فإن التناقض ذاته يشغل «قصر الإليزية» قبل زيارة الرئيس «فرنسوا أولاند» للقاهرة فى الفترة ما بين (١٧) و(١٩) أبريل المقبل.


الرئيس الفرنسى سوف يصطحب وفدا اقتصاديا على درجة عالية من الأهمية، نحو (٥٠) من رجال الأعمال ومديرى الشركات الكبرى بهدف رفع مستوى التبادل التجارى.


بتوقيت الزيارة وأهدافها فإنها تدعم الثقة العامة فى الاقتصاد المصرى وفرص جذب استثمارات جديدة.


بترجمة أخرى فالزيارة الفرنسية قوة دفع يحتاجها الاقتصاد المأزوم.


من بين ما هو مطروح للتباحث مشروعات فى الطاقة المتجددة والمدن الجديدة وربما صفقات سلاح فضلا عن الأزمة السورية وفرص تسويتها.


بالنسبة إلى أوروبا، التى روعتها تفجيرات بروكسل عاصمة اتحادها، يعتبر إنهاء الأزمة السورية بالتسوية مدخلا لتصفية «داعش» التى تمثل خطرا داهما على أمنها الداخلى.


رغم ذلك كله ليس بوسع باريس أن تغض الطرف عن السجل المصرى المتردى فى الحريات وحقوق الإنسان.


هناك مسائل رأى عام لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها دون إبداء اعتراض واتخاذ موقف.


من طبيعة العصر الذى نحيا فيه عالمية حقوق الإنسان وقداسة الحريات العامة.


فى زيارته للقاهرة تعمد وزير الخارجية الفرنسى «جان مارك ايرولت» التطرق إلى الملف الحساس مع نظيره المصرى «سامح شكرى» بعيدا عن الوفدين الرسميين.


بحسب دبلوماسيين فرنسيين فهو محنك يعرف الإقليم وتعقيداته بأكثر من سلفه «لوران فابيوس».


لم يطلب إحراجا، والكلام كله محرج، بقدر ما أراد أن تكون الرسالة واضحة أمام «الأصدقاء المصريين».


بنصح مباشر قال «ايرولت»: «تحسين سجل الحريات وحقوق الإنسان سوف يفيدكم بأكثر من أى تصور».


فهو مفيد من زاوية رفع الحرج عن أى شريك تجارى دولى وتهيئة مناخ أفضل لجذب الاستثمارات الأجنبية وتخفيف أية ضغوط محتملة على نظام الحكم الحالى.


وهو مفيد من زاوية تحسين الصورة المهشمة فى العالم، فلا سبيل إلى تصحيحها دون إجراءات فى الداخل تنتصف للعدل وترفع الظلم.


وهو مفيد فى الحرب على الإرهاب التى سوف تطول، فإذا لم تكن كرامة المصريين مصانة يصعب التعويل على أى ظهير شعبى يقف وراء أمنه.


بصورة أو أخرى تابعت مراكز دولية عديدة باهتمام زائد أول جولة حوار رئاسية، ما وراءها وما بعدها، مدى جدية الخطوة اللافتة فى إحداث تطورات إيجابية فى بنية الحكم المصرى.


غير أن مشهد الحوار والتعويل عليه تعرض لأزمة لم يكن لها لزوم ترتبت على منع عدد من الحقوقيين من السفر والتصرف فى أموالهم.


لا أحد فوق القانون شرط أن يكون عادلا ومستجيبا لضرورات تنشيط المجتمع المدنى.


إخضاع منظمات للمساءلة وإعفاء أخرى مسألة لا يمكن تقبلها بأية قواعد عدالة.


ما نحتاجه بالضبط فى هذا البلد أن تكون هناك قواعد تحترم وينفذ سيف القانون فوق كل الرقاب دون تمييز أو تسييس.


كان وزير التضامن الاجتماعى الأسبق الدكتور «أحمد البرعى» قد توصل بعد حوارات مسهبة مع ممثلى المجتمع المدنى إلى مشروع قانون يضمن حق منظماته فى حرية الحركة وحق الدولة فى الرقابة والمساءلة.


أين هو القانون الذى يمكن الحساب على أساسه دون أن يكون من حق أحد فى العالم أن يعترض ويحتج؟


قائمة المنتقدين: «بان كى مون» أمين عام الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبى وسبع دول أوروبية بينها فرنسا ارسلت ممثلين عنها للمحاكمة بالإضافة إلى الولايات المتحدة ودول أخرى بعضها عربية.


أمام الضغوط الدولية فالتراجع محتمل شأن تراجعات أخرى فى ملفات مماثلة.


القضية أن مصر تستحق أن تسائل نفسها قبل أن يسائلها الآخرون، وأن يفتح ملف حقوق الإنسان فى الداخل قبل الخارج.


فى أى دولة تحترم نفسها فهى أولى بالدفاع عن مواطنيها الذين يقبعون خلف السجون بلا ذنب أو اتهام.


باسم الدفاع عن الأمن تكاد تتقوض صورته تماما أمام مواطنيه قبل العالم.


إصلاحه وفق قواعد دولة القانون مسألة لا يصح تأجيلها.


أهم تحدٍ لبلد مأزوم يتطلع إلى شىء من الأمل فى مستقبله أن يحسن سجله فى حقوق الإنسان ويرد اعتبار الحريات العامة ويعلن فى الوقت نفسه القطيعة مع الماضى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved