الشرق الأوسط - لندن: آثار «كورونا» على أسعار النفط ا
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 25 مارس 2020 - 11:00 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى.. نعرض منه ما يلى.
يستمر فيروس كورونا فى التفشى وبث الخوف عالميا، فقد بدأ انتشاره فى أوروبا وأمريكا الشمالية، ومن المتوقع أن يتفشى أكثر فى أمريكا اللاتينية وإفريقيا والهند.
أدت هذه المؤشرات حول توسع رقعة تفشى الوباء إلى إعادة النظر فى معدلات انخفاض الطلب على النفط، ومن ثم مراجعة معدلات انخفاض الأسعار من قبل المؤسسات المالية والنفطية، فقد كان المتوقع قبل أسبوعين أن ينخفض سعر نفط برنت إلى نحو 25 دولارا للبرميل، وبالفعل، انخفض السعر إلى هذا المستوى المتدنى حاليا، بل حتى أدنى منه، إذ سجل نحو 22 دولارا، أما الآن، فتشير التوقعات إلى احتمال تدنى الأسعار إلى نحو 17 دولارا، وربما فى المستقبل المنظور إلى أقل من 10 دولارات خلال الربع الثانى من عام 2020.
يكمن السبب لهذه التوقعات السلبية إلى انخفاض الطلب على وقود الطيران ووقود المواصلات البرية، وتدنى نمو الاقتصاد العالمى، وتؤدى هذه الانخفاضات فى الطلب إلى تقلص الطلب العالمى نحو 20 مليون برميل يوميا البالغ نحو 100 مليون برميل يوميا قبل تفشى كورونا. وهو أمر غير مسبوق فى تاريخ صناعة النفط.
ومن الجدير بالذكر، أن قلق الأسواق قبيل تفشى الوباء، كان حول فائض الإمدادات وتخمة المخزون النفطى التجارى، وكان السؤال المهيمن فى الأسواق عندئذ؛ من هى الدولة المنتجة الكبرى، روسيا أم السعودية أم الولايات المتحدة التى ستخفض إنتاجها أولا لتحقيق الاستقرار فى الأسواق؟ هذا مع العلم أن السعودية كانت تنتج ما بين 7 ــ 10 ملايين برميل يوميا، مقارنة بطاقتها الإنتاجية البالغة 12 مليون برميل يوميا. بينما كان كل من روسيا والولايات المتحدة ينتجان بكامل طاقتهما الإنتاجية تقريبا «نحو 13 مليون برميل يوميا لكل منهما» رغم الفائض فى الأسواق، الأمر الذى أدى بالمستوى العالى للإنتاج هذا أن يضيف إلى المخزون النفطى العالمى أسبوعيا نحو 100 مليون برميل أسبوعيا. هذا الأمر كان يعنى فى حال استمراره دون الاتفاق على تخفيض إنتاجى ذى مصداقية على الأقل من قبل روسيا، التى رفضت فى الاجتماع الأخير لمجموعة «أوبك بلس» أى تعديل أو تمديد لاتفاقية التخفيض، النافذة المفعول منذ 3 سنوات، هذا يعنى أن الأسعار كانت متجهة لا محالة إلى انهيار كبير دون تخفيض الإنتاج.
كانت المشكلة قبل فيروس كورونا كيفية التعامل مع فائض الإمدادات، وتخمة المخزون النفطى العالمى، أما الآن، وما بعد كورونا، فهى مشكلة تدهور الطلب إلى معدلات غير مسبوقة، وأزمة الطلب وكورونا هما مشكلتان مؤقتتان طارئتان، فالتحدى الآن هو إيجاد الأسواق لشراء النفط فى ظل تدهور الطلب، من ناحية أخرى، ستضطر مصافى التكرير إلى شراء أقل كمية ممكنة من النفط فى ظل اقتصاديات النفط السلبية، إلا أن هناك إمكانية لزيادة الطلب من مؤسسات التخزين الاستراتيجى للدول الصناعية، بانتهاز فرصة السعر المتدنى للنفط لملء مخازنها.
ويتوقع طبعا هذه المعطيات زيادة الضغوط المالية على بعض الدول المنتجة ذات الاقتصادات المتضعضعة مثل إيران وليبيا، وستواجه هذه الدول صعوبات جمة فى ترتيب وضعها الاقتصادى الداخلى، إذ إن معظمها كان قد تبنى موازنة سنوية معتمدة سعرا للنفط الخام يتراوح ما بين 50 ــ 60 دولارا لبرميل النفط.
كما ستواجه شركات النفط العالمية تحديات اقتصادية حادة، تتمثل فى تقليص موازناتها للاستكشاف وتطوير الحقول، وستقلص الشركات من كادرها العمالى والفنى، ما سيؤثر سلبا على عملياتها.
ويتوقع فى ظل المعطيات أعلاه أن تستعيد منظمة أوبك وحلفاؤها من الدول المنتجة غير الأعضاء فى المنظمة «أوبك بلس» اجتماعاتها قبل نهاية هذا العام، وسيكون على أولوية جدول الأعمال إيجاد حلول لتحديين أساسيين؛ الاتفاق ثانية على تخفيض جديد للإنتاج وإعادة الاستقرار والمصداقية إلى الأسواق، والمنشود هو تراوح الأسعار ما بين 40 ــ 60 دولارا للبرميل، فهذا المعدل السعرى يناسب ثمن كلفة إنتاج النفط الصخرى الأمريكى، مع انخفاض فى معدل الإنتاج نحو مليون برميل يوميا، كما أن هذا المعدل السعرى، ولو كان أقل مما تبنته معظم الدول المنتجة فى موازناتها السنوية لسعر النفط لعام 2020، فإنه قريب منه، كما أنه فى نهاية المطاف، لن تكون سهلة زيادة الأسعار إلى مستويات معتدلة ثانية، بعد الانهيار الذى أصابته بها كورونا، فالتحدى المقبل هو التعامل مع انخفاض تقريبى فى الطلب بمعدل نحو 2 ــ 3 ملايين برميل يوميا، بدلا من توقع زيادة 1.2 مليون برميل يوميا فى الطلب، كما كان الأمر قبل كورونا.
وافترضت بعض الدول فى مجموعة «أوبك بلس» أن إنتاج النفط الصخرى سيتدهور مع تدهور أسعار النفط، لكن هذه الأطراف أغفلت أن معطيات صناعة النفط الصخرى الأمريكية قوية، وليس من السهل محاربتها، فتقنية التكسير الهيدروليكى للصخور قد ثبت نجاحها فى أمريكا الشمالية، والاحتياطات عملاقة فى الولايات المتحدة، كما أن الصناعة تردف الآن بالأموال الضخمة للشركات النفطية العملاقة التى اشترت كثيرا من الشركات الاستثمارية الصغيرة التى بادرت بتأسيس صناعة النفط الصخرى، ومن ثم، فإن نجاح التكنولوجيا وتوافر الحقول العملاقة والرأسمال الضخم لشركات النفط الكبرى أدت إلى تأسيس صناعة جديدة من الصعب تحجيمها، خاصة أن أثمان المعدات التقنية تنخفض مع مرور الزمن، وتشير المعلومات المتوفرة أن تكاليف إنتاج النفط الصخرى الأمريكى من بعض الحقول العملاقة تتراوح ما بين 40 ــ 50 دولارا للبرميل.