لحظة إيقاظ الضمير الإنسانى

يوسف الحسن
يوسف الحسن

آخر تحديث: الأربعاء 25 مارس 2020 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

تحدث ابن خلدون فى «مقدمته» عن أحوال العالم والأمم، وقال؛ «إنها لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على مر الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال». ولعل هذا الزلزال (فيروس كورونا) المستجد والمستبد، وبوتيرته المتسارعة العابرة للحدود والمجتمعات، هو من بين هذه التحولات الكبرى فى حياة الأمم، حيث يخيم اليوم، شبح الهلع والموت على الاجتماع البشرى، ويتطلع الإنسان إلى ما يمَكِّن الاجتماع من جديد من مواصلة سيره، والتبشير بانتهاء ليل قد عسعس.
هى لحظات زمنية مصيرية، لحظات طوارئ خطرة كونية، تبحث عن إسعاف الحياة من جائحة (موصدة)، غير واضحة معالم علاجها حتى الآن، ولا مجال أمام البشرية إلا الشجاعة والتعاون فى مواجهتها، وحشد طاقة علمية ونفسية هائلة مشتركة، حتى يتبدد هذا الوحش، وعلى هذه الجائحة أن تخضع فى نهاية المطاف إلى تحكُّم الإنسان فيها، وإلا شُلّت حركة البشرية.
نعم.. هى فاجعة عالمية، لا تستثنى أمة ولا دولة، ولا تميز بين جنس أو عرق أو لون أو معتقد أو غنى وفقير. وهى اختبار لكل واحد منا لفرز الوهم عن الواقع كما هو، وطرد الاعتقاد الزائف والخادع بالاستغناء عن الآخر، والانتقال من محدودية منطق الفردانية (الأنا)، الذى يزيد من حالات التيه والفوضى، إلى رحابة المفهوم الجامع (نحن) لمعانى الصالح الإنسانى العام، والتشارك والتآلف والتعاضد والتضامن والرحمة، وعدم الشماتة بآلام الآخرين ومعاناتهم.
تتشابه اليوم مخاوف البشرية، وتتوحد همومها فى مواجهة الفناء، مما يستدعى إيقاظ الضمير الإنسانى والخُلُق الإيمانى الإنسانى، فى كل فرد على هذا الكوكب. وإخراج أوهام القوة والمنعة والتفوق، وأساطير ديمومة الظروف المواتية، من الأذهان والأجندات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
هى فرصة لإيقاظ فضائل التواضع والاعتراف بمحدوديتنا كبشر، وبحاجتنا للتشارك والتنسيق والتعاضد والاستنفار الجماعى لإيجاد الحلول، وتعزيز القدرات البحثية والعلمية، وبناء المعرفة الضرورية فى مجالات القيم والتعليم والصحة الوقائية، وإعادة النظر فيما ننفق ونستورد ونصدر ونصنِّع ونزرع، وترسيخ روابط العمل المشترك الاقليمى والقومى والدولى.
لقد تجاهلت البشرية فى عقودها الأخيرة، كل الأسئلة الأخلاقية التى طرحتها أديان وفلسفات ومعتقدات معتبرة، وتحدث عنها مفكرون وكتاب وفلاسفة معاصرون، طغى التأله والتعصب والأنانية، واستشرى الجشع والفساد والإفساد، والربح المتوحش والمضاربة والكراهية الجماعية، تجاهلت البشرية معاناة ثلاثة مليار آدمى من الفقراء، يفتقدون اليوم الماء والصابون... وهذا هو فقر الصحة... وفقر الأخلاق الإنسانية والضمير المسئول.
هو اختبار لضميرنا الإنسانى، فى حاجته لبناء منظومات علمية طبية وإنسانية راسخة، لمواجهة أمراض وفيروسات محتملة فى المستقبل، وإعطاء أولوية لرفاه الإنسان وصحته وحقه فى الحياة، معافى من الفقر المتعدد الأبعاد، والأمراض والأوبئة، بحيث يكون لهذه المنظومات أولوية على ما عداها من تسابق فى إنتاج الأسلحة الفتاكة فى البر والبحر والفضاء، فى السر والعلن، والعبث فى الطبيعة والبيئة، وتفجر أوهام القوة والغرور فى عقول قادة ودول، وتجسيد هذه الأوهام فى حروب واحتلالات وعنف دموى واستكبار، وتفتيت أنسجة مجتمعات، وتربية فيروس الاٍرهاب، وبث سمومه فى الأرض.
من المؤكد أن هذا الزلزال، سيحدث تغييرا فى النظام العالمى، والنظم الإقليمية، وسيعزز دور المركزية فى الدولة الوطنية، وقد يدفع الدول «العاقلة» إلى البحث عن سبل التعاون المشترك، وستزداد المطالبة بعالم أكثر عدلا فى توزيع المكاسب والرفاه الإنسانى، وأكثر حساسية تجاه البحوث العلمية الطبية المشتركة، وأكثر حاكمية وإعمالا للقانون، وانشغالا بتنمية إنسانية شاملة، تصون كرامة الإنسان، وحقه فى الحياة والسلام.
المهم اليوم، أن نكون «معقَّمين» على الدوام، من الشرور كلها، بانتظار الترياق والدواء، من الشجعان والعلماء... وبانتظار من يجيبنا على السؤال المؤرق وهو؛ «ما نوع العالم الذى ستعيشه البشرية، وتحيا فيه، بعد أن تُسدل الستارة على صدمة هذا الزلزال المروع؟»... والله المستعان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved