عفوا السيد عز

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: السبت 25 أبريل 2009 - 10:20 ص بتوقيت القاهرة

 
ُُالحقيقة أن السيد أحمد عز، وهو بالطبع غنى عن التعريف، ومن لايعرفه لايستحق أن أسديه هذا المعروف وأعرفه به، لأنه مش عايش معنا فى هذا البلد، ولذلك يجب أن نبقيه خارج دائرة اهتمامنا.

السيد أحمد لايتكلم كثيرا ولكن حين يتكلم غالبا يقول دررا، وآخر هذه الدرر ما قاله فى مجلس الشعب مؤخرا من أن أرباح شركات المحمول الثلاث تتجاوز ما يتم تخصيصه للهيئات الاقتصادية التى تخسر من وراء دعم المواطنين، بما يعنى أن «المواطنين يصرفون على مكالمات المحمول ما يتجاوز الدعم الذى تتكلفه الموازنة للهيئات»، وانتقد ما أسماه الأولويات المجتمعية للمواطنين.

والحقيقة، إنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يعاير فيها مسئول مهم أو للدقة «مهم جدا» المواطنين الذين دأبوا بشراهة على سرقة الدعم، بدءا من هؤلاء «المتشعبطين» على سلم علب السردين التى من تغفيلنا فى مصر نطلق عليها «الأتوبيسات»، أو الطماعين الذين يزاحمون الشنط على الأرفف ويرقدون بدلا منها فى قطارات الدرجة الثالثة.

أو الأكثر منهم شراهة وجشعا الذين يسابقون الزمن فجرا للحاق بطابور العيش ليأخذوا عشرين رغيفا مدعما بدلا من 18 مثل عدد أفراد أسرتهم، وبذلك لايصل الدعم لمستحقيه كما أراده السيد عز. والحقيقة مهما قلت دفاعا عن هؤلاء المسرفين لن أستطيع أن أدحض حجته الواضحة ولكن سأحاول، ليس حبا فى هؤلاء المستهترين ولكن لأننى إحدى المتهمات بذات التهمة المجتمعية.

أولا قد لا يخفى على سيادتكم أن جانبا كبيرا من الأرباح التى تحققها شركات المحمول يعود إلى القرارات «الحكيمة» التى اتخذتها الحكومة لتخفيف العبء على رجال الأعمال من تخفيض للضرائب من 40 % إلى 20 % مهما زادت أرباحهم، وبالطبع مش خساره فيهم لأنهم بالتأكيد يعرفون الأولويات المجتمعية حق المعرفة وليسوا مثل المواطنين إياهم.

الأمر الآخر أن حائزى المحمول فى مصر هم صورة مصغرة منها، ولا يمكن أن نضعهم فى سلة واحدة، يعنى الأقلية منهم وهى الفئة الوحيدة التى تستطيع أن تراها سيادتكم هى بالفعل تصرف الآلاف من الجنيهات على المكالمات، ولكن هناك فئات أخرى لاتراها بسبب انشغال سيادتكم الدائم فى أمور مجلس الشعب وما يقتضيه من تظبيط النواب، منها الفئة التى تعتبر أن المحمول هو أداة الإنتاج الوحيدة التى تستطيع أن تقتنيها مثل الآلاف من خريجى الجامعات الذين يجلسون فى طرقات الشوارع يسترزقون من هذه المهنة شديدة الهامشية بعد أن أعيتهم الحيل للحصول على أى وظيفة.

وهناك فئة أخرى من السباكين والبوابين والميكانيكيين وخادمات المنازل من عينة «كلمنى شكرا» أو آخرين ممن يقضونها «ماستجات» متبادلة أو رنات. وغالبا هذه الفئة الأخيرة تعتبر أن حيازة المحمول هى المحاولة اليتيمة التى يمكن من خلالها إقناع أنفسهم أنه مازال هناك أى أمل فى الحراك الاجتماعى فى هذا البلد بعد أن سدت جميع الطرق القديمة مثل التعليم كما كان عليه الحال فى الستينات.

فعندما أصبح التعليم لايصلح للترقى الاجتماعى وأصبح ابن البواب ليس عليه إلا أن ينتظر دكة بجوار السيد الوالد مهما تعلم ومهما اجتهد، فأصبح اقتناء أى شىء قد يغير من صورة هؤلاء فى المجتمع حلا مختصرا.

وهناك أمر أظنه الأكثر أهمية وهى أن جزءا كبيرا من خسائر الهيئات الاقتصادية لا يعود إلى دعم المواطنين فقط ولكن إلى سوء إدارة الهيئات. ويكفى مثلا أن المسئولين فى هيئة النقل العام يوهموننا أن كل مواطن يدفع 50 قرشا فى التذكرة التى هى تتكلف 154 قرشا. فى حين لا يقولون لماذا تتكلف هذا المبلغ، ببساطة لأن 50 % من الأتوبيسات تعمل منذ 28 سنة فى حين أعلن رئيس الهيئة أن العمر التشغيلى لها لايزيد عن 8 سنوات، وبالتالى تتكلف بنزينا وصيانة أكثر إلى جانب أشياء أخرى يعرفها السيد عز أكثر من غيره.

ولكن عفوا السيد عز لا تفتح ملف الأولويات المجتمعية؛ لأنه فيه أشياء إن «تبد لكم تسؤكم».



هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved