المدخل الأساسى لتمكين المرأة العربية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 25 أبريل 2018 - 9:48 م بتوقيت القاهرة

هل يمكن الحديث عن تمكين المرأة فى الحياة العربية العامة دون حل إشكالية النظرة الثقافية والدينية للمرأة؟ فالطفل العربى يشرب مع حليب أمه سلوكيات وأقوالا تحط من قيمة المرأة الإنسانية ومكانتها فى المجتمع.
فى قلب تلك الثقافة المنحازة ضد المرأة، والتى يعيها الطفل فى بيته ويقرأها فى كتب مدرسته ويسمعها ليل نهار فى الكثير من القنوات السمعية والبصرية الدينية فى طول وعرض بلاد العرب، فى قلب تلك الثقافة يقبع تراث فقهى متزمت متخلف عن روح ومبادئ هذا العصر وتهيمن أحاديث تعزى، زورا وبهتانا، إلى رسول رسالة الرحمة والعدل الإلهية.
نحن معنيون بالذات بأقوال تحقيرية، وبعضها مبتذل، مبثوثة بصور متفاوتة فى مجاميع علوم الحديث التى تعزى، على سبيل المثال، إلى البخارى ومسلم والكافى وأمثالهم.
فعندما تعزى مثل الأقوال التالية إلى رسول الإسلام، رسول الرحمة والرفق والعدالة إلى كل البشر وليس إلى رجالهم فقط، وتغلف بالتالى بنوع من القدسية النبوية، يدرك الإنسان مدى فداحة الموضوع الذى نحن بصدده. فلا روح الإسلام ولا مقاصده الكبرى ولا مساواته بين بنى البشر، ولا آيات النفس الإنسانية الواحدة، ولا سيرة رسول الإسلام يمكن أن تقبل أن ينسب إلى الرسول أنه قال: «اطلعت فى الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأطلعت فى النار فرأيت أكثر أهلها النساء»، وأنه قال: «إنما الشؤم فى ثلاثة، فى الفرس والمرأة والدار»، وأنه قال «لن يفلح قول ولًوا أمرهم امرأة»، وأنه قال: «المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وأن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج»، وأنه قال: «النساء ناقصات عقل ودين».. إلخ من أقوال أكثر فحشا وتجنيا على المرأة المسلمة.
***
كيف سنستطيع الحديث عن مساواة المرأة العربية مع الرجل العربى فى الحقوق الإنسانية والواجبات الوطنية، عن المساواة فى فرص الحياة واعتلاء المناصب المجتمعية، وعن المساواة فى دخول جميع مجالات العمل والأجور والترقى، إذا كان المشرع والقائد السياسى ورجل الحكم قد تربوا على سماع تلك الجمل الجارحة لكرامة المرأة والمشككة فى توازنها النفسى والعقلى؟
لا يحتاج الإنسان إلى ذكر عشرات الأسماء، من علماء الإسلام المستنيرين ومن المفكرين والمؤرخين الموضوعيين، الذين بينوا الإشكاليات الكثيرة التى رافقت جمع الأحاديث النبوية وإسناداتها وتدوينها، وأظهروا الاستعمالات الانتهازية السياسية لحقل الحديث برمته.
من هنا يحقُ لنا أن نطالب مؤسسات المرجعيات الإسلامية أن تحسم موضوع التشويه والتحقير للمرأة فى التراث الفقهى وفى ما سمى بعلوم الحديث، إذ من الواضح أن الكثير من السلوكيات والعادات والأفكار البدائية التى كانت موجودة فى المجتمعات والحضارات العربية وغير العربية القديمة، قد أقحمت فى حقلى الفقه والحديث لتبرير ممارستها على الأخص فى قصور السلاطين وأصحاب المال والجاه.
ذلك أن تحليل ونقد وتجاوز ما جاء فى الفقه الإسلامى، وهو اجتهاد بشرى محض، وما جاء فى كتب الأحاديث، وهو ملىء بالإسرائيليات والأحاديات والاستعمال الانتهازى السياسى، هو أحد أهم المداخل لتحرير المرأة العربية من المظالم التاريخية التى كبلت حياتها العامة وأساءت إلى حياتها الخاصة.
***
إن المرأة العربية التى اقتحمت ميادين التعليم، من الروضة حتى التعليم الجامعى وما بعده، باقتدار وتفوق، والتى تكون نسبة عالية ومتنامية من القوى العاملة فى كل ميادين العمل الجسدى والذهنى، البسيط والمعقد، والتى أدت إلى استقلاليتها المالية وإلى أن تصبح أحد أهم مصادر الإنفاق على المتطلبات العائلية، والتى أصبحت مكونًا مهما من مكونات مؤسسات المجتمع المدنى الحقوقية والحزبية والنقابية، والتى ناضلت وماتت فى سبيل حماية أمتها وفى سبيل دحر قوى التسلط المختلفة فى داخل وطنها العربى. هذه المرأة ما عادت تنطبق عليها معايير وضعها هذا الفقيه أو ذاك منذ قرون طويلة، ولا ما دس فى حقل علوم الأحاديث النبوية بسبب الجهالة أو السياسة أو البلادات الاجتماعية.
ولما كان التراث الدينى الإسلامى يقبع فى قلب الثقافة العربية، فكرا وسلوكا وتشريعا قانونيا وممارسات حياتية يومية، فإن تجديد الثقافة العربية، لتكون مدخلا لتمكين المرأة العربية فى كل مناحى الحياة، يمرُ من خلال المراجعة الجذرية لحقلى الفقه الإسلامى والأحاديث المنسوبة إلى النبى (صلى الله عليه وسلم)، ومن خلال قراءة جديدة لنصوص القرءان الكريم، وهو حق وواجب لكل الأجيال المتعاقبة.
بالطبع، هناك مداخل أخرى تشريعية وتنظيمية، لموضوع تمكين المرأة، ولكننا نعتقد جازمين أنه بدون حل إشكالية الثقافة الدينية المشوهة فى عقل وروح الإنسان العربى سيبقى هذا الموضوع متعثرا وقابلا للانتكاس.
آن الأوان أن تشعر المرأة العربية بإنسانيتها وكرامتها وحقها التام فى التساوى والاحترام والتقدير الذى تستحقه كأم وابنة وأخت وزوجة وزميلة عمل ومواطنة.

dramfakhro@gmail.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved