الصين تكسب.. أمريكا تكسب.. أم يخسر الجميع؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: السبت 25 أبريل 2020 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

لا يمر يوم دون صدور عدة دراسات أو مقالات تتحدث عن العالم بعد مرور أزمة الكورونا. ويجتهد الكثير من الخبراء فى مختلف دول العالم لوضع سيناريوهات مختلفة وأحيانا متناقضة لقمة النظام العالمى.
وأتصور من خلال الاطلاع على عشرات من هذه الدراسات ورصد ربما مئات المقالات حول الموضوع، أننا نتعامل مع عدم يقين كبير فيما سيكون عليه شكل العالم بعد كورونا. المؤكد أن انتشار الوباء وتسببه فى إيقاف الاقتصاد الدولى وإبقاء مليارات البشر رهن الحجز المنزلى واتباع سياسات التباعد الاجتماعى، لن يُبقى العالم كما كان عليه بدون تغيير.
وهناك ثلاثة سيناريوهات لن يخرج عنها ما هو قادم، السيناريو الأول يتمثل فى خروج الصين من هذه الأزمة أكثر قوة وأكثر تصميما على قيادة العالم. والسيناريو الثانى يتمثل فى استغلال الولايات المتحدة لهذه الأزمة لتجديد قيادتها على قمة النظام العالمى، وآخر السيناريوهات يرى خروج الجميع سواء الصين أو الولايات المتحدة خاسرا بعد هذه الأزمة.
***
تخرج الصين فى السيناريو الأول أكثر ثقة فى نفسها وفى قيادتها وفى نظامها وطريقة الحكم فيها. ويمتد النفوذ الصينى ليهيمن على القارة الآسيوية بداية قبل التعبير عن الطموح فى التواجد العسكرى فى مناطق بعيدة عن الحدود الصينية. وسيقوى الحزب الشيوعى الحاكم من قبضته على كل مفاصل الحياة الصينية، ويحكم سيطرته على هونج كونج، وتختفى عمليا أى معارضة داخلية سواء السياسى منها أو ما هو قائم على اعتبارات دينية أو إثنية أو عرقية. سيعرف جيران الصين القلق، لكنهم لن يكون فى استطاعتهم وقف النفوذ الصينى. ستحاول كوريا الجنوبية واليابان الواقعتان إلى الشرق من الصين، التنسيق مع الجار الهندى على حدود الصين الغربية من أجل تحجيم الهيمنة الصينية، لكن دون نجاح كبير. وستقترب الدول الخليجية عسكريا أكثر من الصين على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وأوروبا. لن تحاول الصين تصدير أى فكر سياسى أو أيديولوجية حكم لغيرها من الدول، فهى لا تهتم إلا بالحفاظ على هيمنتها الاقتصادية والتكنولوجية، وتريد دولا مستقرة تستفيد منها ومعها تجاريا. وسيستفيد من صعود الصين النظم المستبدة حول العالم وتتطور علاقاتها للاستفادة من التكنولوجيا الصينية الضرورية لدعم بقاء تلك النظم غير الديمقراطية. وستنتشر معاهد كونفوشيوس الثقافية حول العالم، وتحل شنغهاى وبكين وكوانزو محل نيويورك ولندن وبرلين فى مجال الريادة الثقافية والفنية.
يتم إعادة انتخاب دونالد ترامب فى هذا السيناريو، ويستمر التهاوى الأمريكى مع استمرار الاستقطاب غير المسبوق فى السياسة الأمريكية ويستمر الصراع بين البيت الأبيض وأجهزة الدولة الأمريكية والمنظمات الدولية بما يقلل من ثقة الحلفاء الغربيين فى القيادة الأمريكية.
***
السيناريو الثانى يتوقع أن تدفع تبعات أزمة كورونا إلى تجديد الهيمنة الأمريكية والغربية على قمة النظام الدولى. وتعرف الولايات المتحدة عودة على شاكلة حرف V بعد ما عرفته الولايات المتحدة والغرب من أزمة ثقة فى مؤسسات وقيادات تلك الدول أخيرا. وتعود العلاقات الطيبة بين واشنطن والأمم المتحدة وتدفع واشنطن للعمل الجماعى الدولى، وتعود لاتفاقية باريس للمناخ.
ومع الضغط الأمريكى والأوروبى ستضطر الصين للانصياع للغرب وتعترف بمسئوليتها عن انتشار فيروس كورونا خارج حدودها، وتقوم الصين بغلق أسواق الحيوانات البرية للأبد، وتسمح للخبراء الغربيين بالتعاون مع المختبرات والعلماء الصينيين من أجل منع خروج أى وباء جديد من الأراضى الصينية. وستضغط الولايات المتحدة على الصين لزيادة مساهمتها فى المنظمات الدولية وفى أن تقدم المزيد من المنح الاقتصادية لدول العالم الثالث بديلا عن اتباعها سياسة الإقراض.
وسيزيد التواجد العسكرى الأمريكى حول الحدود الصينية، وسيتم وضع قواعد لفتح الصين أسواقها وشركاتها أمام استثمارات الغرب. وستعرف علاقات واشنطن باليابان وكوريا والهند المزيد من التنسيق لمنع أى طموحات صينية خارج حدودها. ولا يتوقع هذا السيناريو إعادة انتخاب ترامب بل إدارة جديدة برئاسة جو بايدن لها رؤية عالمية متوازنة للدور الأمريكى التقليدى، وستتحسن علاقات واشنطن وبكين فى العديد من القضايا الشائكة.
***
السيناريو الثالث يرى أن الجميع سيخرج خاسرا فى عالم ما بعد كورونا، وستعانى الولايات المتحدة والصين وأوروبا وبقية العالم من تبعات الهزات التى تتعرض لها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. ويستمر الركود الاقتصادى العالمى طوال عقد العشرينات من القرن الحالى. ويرى هذا السيناريو فتح ثم غلق ثم فتح ثم غلق الاقتصاد فى الكثير من دول العالم مع عدم التوصل للقاح فعال أو مصل للقضاء على فيروس كورونا فى المستقبل القريب. ويتم إعادة انتخاب ترامب، وتتفكك قوة رابطة الاتحاد الأوروبى وتتزايد دعوات انسحاب الدول منه، وتتشدد الدول مع الداخلين والخارجين من حدودها ومطاراتها. وسيعانى الحزب الشيوعى الصينى فى إحكام سيطرته على الاقتصاد مع الفشل فى عدم تحقيق معدلات النمو السابقة.
يزيد الإيمان بفلسفة «أمريكا أولا» وتقوى شوكة الحزب الشيوعى فى الصين، وتستغل الدولتان القومية الشعبوية داخليا وخارجيا، وتتأثر الحريات العامة وتقوى شوكة الأجهزة الأمنية ودور الدولة. وتتأثر العولمة بالسلب مع التراجع فى معدلات التجارة والسفر الدولية، وسينتشر الفقر حول العالم وتقوى الدول المستبدة من سيطرتها الداخلية بأساليب قمع لا يسألها عنها أحد فى الجماعة الدولية.
وفى ظل هذا السيناريو سيعرف العالم مواجهات اقتصادية وتجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومواجهات جيو ــ استراتيجية بين روسيا والولايات المتحدة، ويستمر الصراع على مناطق النفوذ حول العالم. وسيعرف العالم الثالث الكثير من الصراعات على موارد الثروة والغذاء خاصة فى مناطق الكثافة السكانية العالية فى دول جنوب آسيا وشمال إفريقيا بصورة أكبر من نظيرتها فى دول إفريقيا جنوب الصحراء أو دول أمريكا الجنوبية.
***
قد تجد البشرية طريقة سريعة لوقف انتشار فيروس كورونا وقد لا تجد ذلك فى المستقبل القريب. الصراع مستمر بين العلماء والفيروس، وعلينا أن نكون مستعدين لكل السيناريوهات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved