وماذا عن قانون جاستا؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 26 مايو 2017 - 3:15 م بتوقيت القاهرة

فى خضم حالة الاحتفالات الهستيرية التى لم تتوقف بعد على خلفية زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية، تناسى المسئولون والإعلاميون السعوديون ذكر أى شىء من قريب أو من بعيد عن قانون جاستا!
اتفق الطرفان السعودى والأمريكى على الاحتفاء بعقد صفقات تقترب قيمتها من نصف تريليون دولار (وهو رقم غير مسبوق بمعايير الدول). اتفق الطرفان على إلقاء اللوم على سجل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما فيما آل إليه حال العلاقات بين الرياض وواشنطن. واتفق الطرفان على إلقاء اللوم وإدانة إيران على كل المشكلات التى يعانى منها الشرق الأوسط بدءا من اليمن وسوريا والعراق وصولا للصراع العربى الإسرائيلى.
منحت الرياض الرئيس ترامب كل ما يريد، بالإضافة للجانب المادى للزيارة، فلم يكن يمكن لدولة أخرى أن تستقبل ترامب كما استقبلته السعودية، ولم يكن لدولة أخرى أن تنفق بهذا البذخ كما أنفقت المملكة، ولم يكن لدولة أخرى أن تضمن عدم خروج مظاهرات مناوئة للزيارة. لم يكن من الممكن استقبال ترامب فى كندا أو بريطانيا دون خروج عشرات الآلاف تظاهرا ضد سياساته العنصرية ضد المسلمين، ناهيك عن سياساته تجاه المهاجرين وبناء الحائط الحدودى مع المكسيك، وتهديده لاتفاقيات التجارة الحرة، ورفضه لنظرية التغيرات المناخية.
***
لم يتحدث ترامب ولا مستضيفوه عن قانون جاستا، وهو قانون اعتمده الكونجرس بأغلبية تقترب من الإجماع بين أعضاء الحزبين الجمهورى والديمقراطى داخل المجلسين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
وتعد كلمة JASTA اختصارا لـ Justice Against Sponsors of Terrorism Act ومعناها «العدالة فى مواجهة رعاة النشاط الإرهابى»، وقد أقره الكونجرس وأصبح قانونا فى نهايات شهر سبتمبر الماضى. وهذا القانون فصل كى يتم من خلاله توجيه الاتهام للمملكة العربية السعودية وأعضاء أسرتها الحاكمة بالضلوع بصور مباشرة وغير مباشرة فى هجمات 11 سبتمبر الإرهابية والتى وقعت عام 2001 وراح ضحيتها ما يقرب من ثلاثة آلاف أمريكى. ويوقف هذا القانون الجديد قانونا سابقا صدر عام 1976 وكان يوفر الحصانة السيادية للدول وحكامها من الملاحقة القضائية داخل الولايات المتحدة. مر قانون جاستا بأغلبية وإجماع غير مسبوق فى مجلسى الكونجرس، الشيوخ والنواب. وصوت كل أعضاء الكونجرس فى حالة نادرة لصالح القرار قبل أن يتدخل الرئيس أوباما بالفيتو الرئاسى محاولا إيقافه. وعلى الرغم من تدخل الرئيس الأمريكى ووزارة الدفاع وأعداد كبيرة من الدبلوماسيين والخبراء السابقين فى محاولات لإثناء الكونجرس عن قراره، إلا أن جاستا أصبح قانونا بأغلبية 97 صوتا مقابل صوت واحد فى مجلس الشيوخ، وبأغلبية 348 مقابل 77 صوتا فى مجلس النواب. وحاول الرئيس أوباما مستخدما صلاحيات حق الفيتو فى عرقلة القانون وفشلت مساعيه.
وبعد يومين على إقرار قانون جاستا، استقبلت محكمة مقاطعة كولومبيا فى العاصمة واشنطن قضية «دى سيمون ضد المملكة العربية السعودية» رقم 16ــ سى فى ــ 1944. صاحبة الدعوى ستيفانى دى سيمون أرملة وأم لطفلة ضابط البحرية باتريك دن الذى قتل فى الهجوم الذى استهدف البنتاجون يوم 11 سبتمبر. وبعد ذلك بأسابيع رفعت عائلات 850 من ضحايا هجمات 11 سبتمبر و1500 من المصابين دعوى قضائية جماعية فى محكمة فيدرالية فى مانهاتن بمدينة نيويورك ضد حكومة المملكة العربية السعودية، زاعمين أنها قدمت دعما ماديا وماليا لتنظيم «القاعدة» لسنوات قبل الهجوم الذى يُعد أسوأ هجوم إرهابى يقع فى أمريكا.
***
تناسى المسئولون السعوديون ما سبق وقاله ترامب عن دور السعودية فى 11 سبتمبر وعن موقفه من قانون جاستا. قال ترامب خلال الحملة الانتخابية إن مقتطفات تقرير لجنة تحقيق 11 سبتمبر، والذى أبقاه سريا الرئيس جورج بوش وأوباما من بعده قبل نشره أخيرا فى اكتوبر الماضى، يُظهر أن المملكة العربية السعودية لعبت دورا مهما فى الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمى. ثم أضاف فى حوار تليفزيونى مع محطة فوكس الإخبارية «لقد هاجمنا العراق ونحن كنا نعلم أنهم ليسوا من أسقط مركز التجارة العالمى»، ثم تمادى ترامب فى هجومه على السعودية بالقول إن «السبب الرئيسى لدعمنا للسعودية هو حاجتنا للنفط، ولكننا الآن لا نحتاج كثيرا إلى نفطهم، وبحال تغير الحكم بأمريكا فقد لا نحتاج نفطهم على الإطلاق ويمكننا ترك الآخرين يتصارعون حوله»، وأضاف: «أن السعودية دولة ثرية وعليها أن تدفع المال لأمريكا لقاء ما تحصل عليه منها سياسيا وأمنيا، والسعودية ستكون فى ورطة كبيرة قريبا، وستحتاج لمساعدتنا.. لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى».
ورغم كل ما قيل، ورغم أن ترامب أصبح رئيسا أعرجا حيث تطارده تحقيقات جادة فى علاقة حملته الرئاسية غير الشرعية بروسيا، وهو تحقيق لا يُستبعد منه أى سيناريو بما فيها إمكانية الإطاحة بترامب، اختارت الرياض تجاهل حقائق وسجلات موثقة لأهداف يصعب تفهمها أو قبولها. لم تطالب الرياض ترامب بأى شىء تجاه قانون جاستا، وربما أنها تدرك أن جاستا أصبح قانونا ساريا ومن الصعوبة أو المستحيل تغييره. قبل ثلاثة أيام من الزيارة توقع وطالب وزير الطاقة السعودى خالد الفالح على صفحات ول ستريت جورنال من إدارة ترامب اتخاذ خطوات لتفكيك قانون جاستا! ولا يبدو أن الوزير السعودى يدرك تعقيدات النظام السياسى الأمريكى وحدود دور الرئيس فيه، والأهم أنه لا يدرك حساسية قضية ضحايا 11 سبتمبر عند الرأى العام الأمريكى، ولا يدرك أيضا سوء الصورة الذهنية السعودية عند أغلبية الأمريكيين لأسباب مختلفة، وذلك على الرغم من انفاق ملايين الدولارات على جهود ضائعة لشركات لوبى وشركات علاقات عامة لا يحاسبها أحد، ولا تخضع لمعايير قياس الأداء أو معايير تحقيق الأهداف.
***

نعم يبحث الكونجرس سبلا للخروج من ورطة قانون جاستا، إلا أن طريقة الخروج قد تكون أكثر ضررا للسعودية. من الأفكار المطروحة لطمأنه الجماعة الدولية قد يكون تبنى الكونجرس تشريعا جديدا يقتصر بمقتضاه قانون جاستا على أحداث 11 سبتمبر فقط، أو بديل آخر يتمثل في تشكيل محكمة خاصة تنظر فقط في الدعوات القضائية المتعلقة بأحداث 11 سبتمبر. ويعنى ما سبق طمأنة مختلف دول العالم وتأكيد أن القانون لا يُقصد به أي دولة سوى المملكة السعودية. وعلى العكس مما أكده بعض رموز اللوبي السعودي في واشنطن من أن قانون جاستا هو "سلاح بدون رصاص"، ظهر أن قانون جاستا يمثل سلاحا متعدد الطلقات قد يطول تجميد استثمارات أو يتطلب دفع مليارات الدولارات على أقل تقدير، وهذا ما رأينا أول فصوله خلال الزيارة التاريخية لترامب.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved