«عوالم عادل إمام الخفية».. وأستاذية السنين

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الجمعة 25 مايو 2018 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

فى دراما «عوالم خفية» تأثرت كثيرا بالصحفى الكبير هلال كامل، فى رحلة بحثة عن الحقيقة، بل وطريقته فى علاقته بعمله، مازال الرجل السبعينى يتخذ من المصداقية عنوانا لمهنته التى أخلص لها، وخانها كثيرون، خاض بقلمه معارك، فى الوقت الذى كسا فيه الجبن كثيرين، وسلك بمبادئة منهجا لحياة أبى آخرون أن يعيشوها واكتفوا بسكون دقائق زمنهم.

«عوالم خفية» تتفجر قيمتها من مشهد لآخر ومن جملة حوار معنى أعمق من مجرد حكاية تروى وحروف ترمز لشخصيات يبحث بطلها عنها ليكشف مستورها.

بأسلوب سردى ذكى قدم لنا المؤلفون الثلاثة أمين جمال، محمد محرز، ومحمود حمدان سيناريو يتحمل الإثارة والتشويق بلا افتعال أو ضجيج، والنقلات توحى فى كل مرة بأننا بصدد اكتشاف جديد لعالم أكل من لحمنا وسمم دماءنا ومازال، نعم هناك فكرة جريئة مليئة بالأشواك، فنحن أمام انتهازية ورشوة وصراع كبير مع الشر من أجل خلع القناع عنه، ولكن كيف قدمها لنا المخرج الموهوب رامى إمام، إنه سلك طريقا انسانيا ناعما تسلل إلى الوجدان بفضل أسلوبه ومنهجه فى التصوير عبر لقطات ذكية توحى بالكثير وخاصة عند تداخل خيوط الصورة لترسو معالمها فى ذهننا كمتلقٍ.

هلال كامل الكاتب جعلنى ارى النجم الكبير عادل امام الذى جسد دوره، المدرسة التى تتفجر ابداعا والهاما، فقد حافظ على الخيط الرفيع بين كونه كاتبا شهيرا يحقق «صحفيا» فى قضية فساد كبيرة ألقت ببرىء يدعى سعيد غنام «محمد صيام» إلى ساحات السجون أكثر من عشرين عاما، وبين كونه مواطنا وانسانا يتعامل مع المحيطين من حوله بشفافية وصدق وحنان، سواء رئيس التحرير صديق عمره ابو المعاطى أو تلميذته نهى وحفيديه، أو حتى ابنته وزوجها، الذى انجرف هو الآخر فى عالم الفساد والرشوة.

عادل امام منح بتلقائية ادائه نورا لدراما العمل، وقد دخل بـ«عوالم خفية» محطة جديدة غير بها نمط أداء وكاركترات قدمها فى الأعوام الأخيرة، وهى سمة النجوم الذين يدركون قيمة التغيير، وقد ذاق طعم الكتابة الجديدة الطازجة ومنح الفكرة بريقا خاصا بأستاذية العمر، مشاهد عديدة كانت تعبيرات هلال كامل أو عادل امام بها مدهشة، كانت معظمها تنتهى بنظرات عميقة لتبقى فى مخيلتنا وتداعب أفكارنا وتجعلنا نرى مجتمعنا وانفسنا بمنظور جديد.

أتذكر هذا المشهد الذى جمع بين هلال كامل وضابط أمن الدولة رءوف الذى جسده الرائع فتحى عبدالوهاب، عندما حاول ان يجنده ويجعله عينا على زملائه بالجريدة، قال الضابط: العربية عشان تدور لازم لها بنزين وعجل، ليرد هلال: انا احب امشى على رجلى، ومشهد آخر وقف فيه الصحفى الكبير هلال كامل فى مواجهة مسئول وزارة الصحة «ى. ع» يلمح إليه بأنه وراء المستلزمات الطبية الفاسدة التى دخلت البلاد عام ١٩٩٦، كان المشهد عبارة عن مباراة فى الأداء، هلال بنظرة عين ثاقبة اخترقت مستور الوزير، ووضعته فى حيرة داخل دائرة اتهام.

عادل أمام بمسلسل عوالم خفية، بدا وكأنه يخوض محطة مختلفة فى الدراما التليفزيونية ربما تختلف عن نظيرتها من أعماله فى الأعوام الأخيرة، والواقع أن المخرج رامى امام غير من والده ونجمه المفضل، حينما جعله مستسلما تماما لهذا النوع من الاداء البسيط دون فزلكات، أو استدعاء تعبيرات وافيهات «كلاشيه».

عادل امام يدرك ان الشخصية التى يجسدها مهمة، ويمرر بذكاء ما يريد أن يقوله ويجعلنا نكتشف معه خبايا واسرار قضية مهمة هى قضية وطن.. ودعونا نتابع هلال كامل وما يخبئه لنا فى توليفته الدرامية الجديدة.

أجاد رامى امام اختيار شخصياته، قدمت بشرى دورا جريئا وجديدا بتجسيدها دور ام لشابين، وجسدت باحترافية المحامية غادة كامل وقد اضفت على الشخصية ملامحها الخاصة حيث أمسكت بكل مفرداتها جيدا، فهى الأم المتسلطة إلى حد ما مع ابنتها، والمحامية التى تدرك مفاتيح العصر واللعبة، أما هبة مجدى فقد كانت طلتها راسخة فى دور الصحفية نهى مندور الشغوفة للتعلم، بينما كان الأداء الهادئ لصلاح عبدالله يوحى أستاذية السنين، وفتحى عبدالوهاب هو الأداء العميق الذى منح شخصية ضابط أمن الدولة بعدا دراميا جديدا، كما كانت طلة أحمد وفيق مختلفة وهو يقدم النموذج العصرى والواقعى الانتهازى داخل مجلس الوزراء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved