نمور من.. ورق!

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الخميس 25 يونيو 2009 - 7:12 م بتوقيت القاهرة

 أجيال وراء أجيال.. أثبت الناخبون المصريون أنهم أكثر شعوب الأرض «كرما» مع المرشحين و«تساهلا» مع أجهزة الأمن، فالكثير من النواب نجحوا بشراء أصوات ناخبيهم الآن بأسعار زمان.. بعضهم دفع خمسين جنيها للصوت والآخر كان أقل حظا فتكلف عبوره بوابة البرلمان طقم حلل وعشرات البوتجازات.. أما فى الدوائر الحساسة، فقد تكفلت أجهزة الأمن ــ بوضوح تام ــ بالأمر ومنعت الناخبين من دخول مراكز الانتخاب من أصله، وقامت وحدها بالعملية الانتخابية من الألف إلى الياء ــ مجانا ــ، وفرضت على الدوائر نوابا يستطيع الحزب الحاكم أن يحركهم كما يشاء تحت القبة فيسن بهم قوانين لا يعلم أحد أصلها من فصلها، ويجيز بها سياسات هى فى واقع الأمر ضد مصالح ناخبيهم على طول الخط، وعرضه أيضا..!

لا أحد يعلم بالضبط متى سيثور الشعب المصرى على هذه الأوضاع البائسة، ومتى يسترد حقوقه الطبيعية فى ممارسة حرياته السياسية وحصوله على حقه العادل فى الثروة القومية، وفى تمتعه بخدمات صحية وتعليمية تتناسب مع احتياجاته الإنسانية، ومع التضحيات التى قدمها فى مختلف العهود وتحت العديد من الشعارات..

ومع تفريط الناخب المصرى فى حقوقه السياسية، سقطت بمرور الوقت حقوقه الاقتصادية، فعندما تولى الرئيس مبارك السلطة فى أوائل الثمانينيات، تبنى نظامه سياسات الرئيس السادات الاقتصادية وبدا يحرك الاقتصاد المصرى على استحياء ناحية مفاهيم السوق وآلياته، ثم وعدنا كبار رجال الرئيس أننا فى غضون عدة سنوات سنصبح «نمورا اقتصادية» مثل نمور جنوب شرق آسيا التى فرضت منتجاتها على أسواق العالم كله.. ولكن بمرور السنوات وتوالى عمليات الخصخصة وانتشار حمى بيع شركات القطاع العام تبخرت هذه الأحلام، بدون ان يسأل أحد رجال الرئيس، وبالطبع الرئيس نفسه، عن مصير هذه الوعود ولماذا أصبحت دخانا فى الهواء...؟!!

ومع التدهور الكبير والمستمر فى مختلف نواحى الحياة فى مصر، تبدو هناك عشرات النظريات التى تطرح حلولا لهذا الانهيار.. تبدأ من الرهان على قدرة النظام على إصلاح نفسه وتقديم وجوه جديدة تتبنى برامج مختلفة لمواجهة الفقر والفساد وتردى الخدمات التعليمية والصحية والأمنية.. مرورا بضرورة ممارسة ضغوط جماهيرية ونقابية على النظام لتغيير بعض سياساته.. نهاية بالمطالبة بضرورة تغييره رأسا على عقب وبناء نظام جديد.

مع أنه لا أحد يستطيع الجزم بصورة المستقبل، إلا أنه من المستحيل استمرار الأوضاع على ما هى عليه، فقد وصلت نسبة الفقر إلى 48% من الشعب المصرى ــ الذين يبلغ دخلهم دولارين فى اليوم ــ مع ارتفاع نسبة البطالة إلى 20% إضافة إلى تراكم مليارات الدولارات فى أيدى عائلات رأسمالية لبعض أفرادها تصرفات تثير القرف.. مع غياب تام لأى مشروع حضارى أو سياسى يقنع هؤلاء الفقراء بالتضحية من أجل تحقيقه.

أنا شخصيا لا أراهن على تحركات شعبية للتغيير، ولا على حركات عمالية أو نقابية أو لمنظمات المجتمع المدنى.. للأسف الشديد، لا أرى أى جديد فى الأفق، ولا أى تغييرات سياسية إلا من خلال ضغوط دولية ــ أمريكية بالتحديد.. لكى نشهد انتخابات مجلس الشعب بدون تزوير.. ولا حلل ولا بوتجازات!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved