هيلارى امرأة

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 25 يونيو 2014 - 5:55 ص بتوقيت القاهرة

صدرت قبل أيام مذكرات السيدة هيلارى كلينتون. وبطبيعة الحال اهتم بها الرأى العام الأمريكى وبخاصة النساء. ذهب ظن الكثيرين إلى أن الاهتمام سوف ينصبُّ على المعلومات التى كشفت عنها المذكرات بحكم وضعها زوجة رئيس جمهورية، وبحكم الدور الذى لعبته خلال ما عرف وقتها بدراما المكتب البيضاوى الذى دارت فيه أحداث العلاقة بين الرئيس والآنسة لوينسكي. ثم هناك المعلومات عن الفترة التى قضتها تشارك فى صنع القرار بحكم منصبها كوزيرة للخارجية. بعض هذه المعلومات بالمناسبة يتعلق بمصر والأيام الأخيرة للرئيس مبارك فى الحكم. ولا شك أن المعلومات الواردة فى الكتاب وفيرة وربما ثرية، إلا أنه بمراجعة بعض التعليقات والعروض التى ناقشت الكتاب وبمتابعة بعض لقاءات السيدة هيلارى مع الصحفيين لاحظت أن الاهتمام كان مركزا على شعر السيدة هيلارى وملابسها، وليس على استعدادها لترشيح نفسها خليفة للرئيس باراك أوباما.

•••

أنا شخصيا لم أجد فرقا كبيرا يذكر بين أداء هيلارى كلينتون كوزيرة خارجية وأداء جون كيرى الوزير الذى حل محلها. كلاهما قضى معظم وقته فى طائرة متنقلا من بلد إلى آخر، وكلاهما لعب دورا لا بأس به فى تنفيذ خطة نقل أمريكا من مرحلة الاعتماد المطلق على القوة الصلبة إلى مرحلة الاعتماد الأكبر على القوة الناعمة، وفى مقدمتها الدبلوماسية.

يبدو من تعليقات مستخدمى أدوات التواصل الاجتماعى ومقالات كبار الصحفيين، أن الناس وجدت فرقا آخر أهم بين الوزير والوزيرة، وهو عدد مرات تغيير كل منهما لملابسه خلال الرحلة الواحدة وفى اليوم الواحد. السيدة هيلارى قد لا ترتدى الفستان أو «التايير» أو البدلة مرتين فى رحلة واحدة وغالبا فى اليوم الواحد، بينما لا يغير الوزير بدلته وحذاءه إلا نادرا.

•••

نجحت هيلارى فى إدارتها للخارجية الأمريكية، ونجحت أنجيلا ميركل فى إدارة دولاب الدولة الألمانية المعقد، ونجحت الليدى أشتون فى قيادة مفاوضات صعبة تصدى لها خلالها رجال عتاة، ونجحت مارجريت تاتشر فى نقل بريطانيا من عهد إلى آخر حين انتصرت، وهى امرأة، على أقوى وأقدم قوة نقابية فى العالم وربما فى تاريخ الرأسمالية، ونجحت السيدة باتشيليت فى قيادة حزب أغلب أعضائه من الرجال وتسيير حكومة وإدارة منظمة دولية.

•••

قرأت لأحد المعلقين ملاحظة ذكية عن نجاح المرأة فى السياسة وقطاع إدارة الأعمال. قال إن السياسة ما هى فى النهاية سوى القدرة على اتخاذ القرار الأفضل بين خيارات متعددة. أليس هذا بالضبط هو ما تفعله السيدات فى بيوتهن، وبخاصة فى اتخاذ قرار ما تأكل وتشرب عائلاتهن. أليس هذا هو ما تفعله يوميا الآنسات والسيدات العاملات فى كل مرة يتأهبن فيها للخروج إلى الشارع أو لحضور اجتماعات والاشتراك فى ندوات وإلقاء محاضرات. يعرفن حق المعرفة أن ما يرتدينه من ملابس يؤثر إلى حد كبير فى نجاح أو فشل مهمة قيادة فريق أو إقناع الحضور وبخاصة الخصوم. لذلك يقضين وقتا مستحقا لاختيار الفستان أو الطاقم الأفضل. يتعرضن أحيانا لسخرية الأزواج بسبب طول الوقت الذى يُستغرق لاختيار الملابس المناسبة، ولكن الرجال لا يقدرون أن هذا الجهد اليومى فى الاختيار، هو التدريب الأمثل، على اتخاذ القرار «الإدارى أو السياسي» المناسب. كيف ننكر أن أكثر الرجال فى أمس الحاجة لتدريب مماثل.

•••

ننسى أن المرأة تعمل فى ظروف أحيانا قاسية. السياسة مثلا، مازالت من التخصصات الذكورية مثلها مثل العمل فى المناجم وساحات القتال، ومازال ينظر إلى المرأة، فى هذه التخصصات على أنها دخيلة، وإذا نجحت فهى استثناء لا يجوز الاعتداد به. المرأة حسب الرأى الذكوري، وهو الغالب على كل حال، مجرد نسبة فى كل أو نسبة إلى ذكور. وجودها فى الحكومة رسالة متعمدة ومفتوحة إلى المجتمع الدولى تبرز انفتاح ذكورنا وقدر تسامحهم. نعرف ويعرفن ويعرف المجتمع الدولى أن أى عدد من النساء فى وظائف مهمة ما زلنا نعتبره نسبة مقتطعة من نصيب الذكور.

لذلك تبذل المرأة جهدا مضاعفا لتثبت كفاءتها بتحسين أدائها ومظهرها. تعرف، كما نعرف جميعا، أنها لو ظهرت بملابس ناقصة الكى أو النظافة، ستكون محل انتقاد وسيكون هذا النقص شائبة تحسب ضدها، على عكس الرجل الذى قد لا يهتم أحد بما ارتدى أو خلع. وبينما لا تهتم المرأة بما يلبس زميلها نراه يهتم بما تلبس وكيف تظهر. وفى أغلب الحالات والتجارب كان مظهرها بالنسبة لرجال كثيرين يسبق جوهرها. هى تعرف هذا الأمر جيدا وتتحسب له. أليس أول، وربما آخر، ما يلفت نظر المشاهد فى برامج الكلام التليفزيونية هو الملابس التى ترتديها مقدمة البرنامج، بينما قد ينتهى البرنامج وصاحبنا المشاهد فاته أن يلاحظ أو يهتم بما كان يرتديه الرجل الذى قاد البرنامج وغيره من الرجال الذين لبوا الاستدعاء فورا ودون تردد أو نية للتجمل ولو من باب إكرام جماهير المشاهدين.

•••

أصدق المرأة التى تقول إنها تتجمل وتتأنق لنفسها ولمرآتها أولا. أعرف أنها تشعر بثقة أكبر وقدرة أوفر فى دائرة عملها كلما كانت راضية عن شكلها. وبالعكس تتصرف بضعف أمام رؤسائها ومرءوسيها وتنكسر همتها فى القيادة وتتغلب سلوكياتها المنفرة إن هى شعرت أنها قصرت فى واجبات الأناقة وسلامة المظهر.

•••

توقفت مرارا أمام الصورة الجماعية التى يلتقطونها لقادة مجموعة العشرين وكذلك صورة السبعة الذين يحكمون العالم ويتحكمون فينا. أنا واثق أن هؤلاء الرجال لو أفسحوا مواقع بينهم لعدد أكبر من النساء لتغير حال هذا العالم، عالم تعيس بسبب الحروب التى لا تنتهى، وبائس بسبب الكساد الاقتصادى الذى لا ينحسر، ومرتعب بسبب قمع حكامه وسوء أدائهم، وكلاهما محفز للإرهاب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved