الغموض المُحير

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 25 يونيو 2014 - 5:40 ص بتوقيت القاهرة

طفت على السطح حكاية مسلسل «أهل إسكندرية»، الذى تتضارب الآراء حول عرضه ضمن الأعمال الدرامية فى شهر رمضان. المسلسل، مؤلفه بلال فضل، يتناول حسب ما نشُر، قصة ضابط شرطة فاسد قبل ثورة 25 يناير. هناك من يقول إن هناك ضغوطا تمارس لعدم عرض المسلسل، بينما هناك نفى من وزارة الداخلية بأن تكون طلبت ذلك، وإن المسألة برمتها فى يد الرقابة على المصنفات الفنية.

الموقف فيه ضبابية، وغير واضح المعالم. أتفهم اتجاها يرى أن نقد جهاز الشرطة ليس فى محله الآن فى وقت تتكاثر فيه التحديات حوله، ويسقط من أبنائه شهداء فى معارك متواصلة ضد الإرهاب والجريمة. ورغم تقديرى لهذا الرأى، فإننى لا أعتقد أن عرض مسلسل ينتقد أداء أحد رجال الشرطة فى مرحلة زمنية سابقة يمثل إشكالية. فقد سبق تقديم أعمال درامية مهمة نقدية لأداء الشرطة على مدار العقود الماضية مثل «زوجة رجل مهم» و«الهروب»، وبلال فضل ذاته قدم ضابط الشرطة الفاسد فى فيلم «واحد من الناس»، ولم يكن هناك اعتراض أو احتجاج من وزارة الداخلية. ولو كانت الأعمال الفنية تؤثر على الصورة العامة لهيئات أو مهن أو جماعات لكانت أفلام وحيد حامد قوضت جماعات الإسلام السياسى قبل ثورة 25 يناير.

فى قصة «أهل إسكندرية» الغموض سيد الموقف، تزيده التصريحات المتعرجة التى تصدر عن مسئولين فى القناتين الفضائيتين اللتين وضعتا المسلسل على خريطة الأعمال المقدمة فى شهر رمضان، وكذا ما نُسب لرئيس مدينة الانتاج الإعلامى من تصريحات. وهى فى مجملها متناقضة لا تعينك على معرفة حقيقة الأمر، وما إذا كانت بالفعل هناك مشكلة تحيط بالمسلسل، أم أن المسألة لا تعدو أن تكون «فرقعة إعلامية».

منسوب الشفافية منخفض فى الحكاية. هنا تكثر التفسيرات. قد يكون فى الأمر امتعاضا ورسالة إلى الثلاثى بلال فضل، والممثلين عمرو واكد وبسمة نظرا لمواقفهم الحادة من النظام الراهن، وقد يكون فى الأمر رغبة تسويقية لا أكثر، ولا دخل لأى طرف حكومى بالمسألة. وربما كان هناك اعتراض من جهة ما، ثم حدث تراجع عنه، وهو ما يفسر عدم وضوح التصريحات المتداولة.

أيا كان الأمر. فى ظل غياب الشفافية تتوه المعلومات، وتكثر التخمينات، ويبحث الناس عن التسريبات، ويُترك المجال مفتوحا لمن يريد أن يروج أى شىء، ويطرح التفسيرات والتحليلات، ويجمع أحداثا متفرقة ليجعل منها صورة تشير إلى أن النظام الحالى يعادى الحرية، ويقف ضد الأعمال الفنية النقدية. إذا اختفت وزارة الإعلام من التشكيل الوزارى، لا يجب أن يختفى متحدث باسمها، يكشف الحقيقة للناس. لماذا نترك كرة الثلج تكبر، ثم تتساقط، مخلفة رذاذ معارك «وهمية» لا تبنى المجتمع، ولا يصح أن تحتل مساحة من النقاش العام فى بلد يعانى من مشكلات اقتصادية واجتماعية جمة، ويسعى لإعادة بناء دولته. يكفى تصريح واحد من مسئول لإنهاء السجال حول المسلسل، بحيث لا يُترك الأمر للتصريحات المتضاربة، التى تسىء ــ فى التحليل الأخير ــ لصورة حكومة جديدة تقدم نفسها على أنها تعمل، ولا تكل من العمل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved