شخصية الباحثين وأنواع المشكلات العلمية

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 25 يونيو 2016 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

قد نظن أن العالِم هو من تعمق في فرع أو عدة أفرع من فروع المعارف الإنسانية ثم بدأ يثري هذه المعارف بما هو جديد عن طريق البحث العلمي، هذا التعريف وإن كان صحيحاً إلا أنه لا يغطي الجانب الإنساني في الموضوع فالبيئة الثقافية وشخصية الباحث تؤثر على طريقته في البحث العلمى، كيف ذلك؟

يمكننا تقسيم الباحثين إلى نوعين أساسيين: النوع الأول هو من يفتح الباب لفكرة جديدة مبتكرة أو فرع جديد من العلوم، مثلاً نيل بور (Niel Bohr) وهو من العلماء الذين فتحوا الباب للفيزياء الذرية (Quantum Physics) وآلان تيورنج (Alan Turing) فتح الباب لفرع جديد تماما نسميه اليوم علوم الحاسب، هذا النوع من الباحثين يفكر خارج الصندوق (وإن كانت هذه العبارة أصبحت تستخدم اليوم بغزارة أفقدتها معناها!)، هذا النوع من الباحثين عادة ينشر القليل من الأبحاث العلمية بالمقارنة بالنوع الثاني الذي سوف نذكره الآن ولكن أبحاثهم لها ثقل كبير وتعتبر من الكلاسيكيات (تعبير يطلق على الأبحاث العلمية ذات التأثير الكبير ويظل تأثيرها لمدة زمنية طويلة)، ولكن نصيحة صغيرة للباحثين خاصة الذين يبدأون حياتهم العلمية: حتى تفكر خارج الصندوق يجب أولاً أن تعرف كل شيء عن الصندوق!

النوع الثاني من الباحثين هو النوع شديد الدقة وهو ذو قدرة كبيرة جدا على العمل بدون ملل أو كلل ودقيق للغاية في عمله، هذا النوع يأخذ طرف الخيط من النوع الأول ويحسن فيه ويبين كيفية استخدامه وتحسينه، فمثلا النوع الأول يفتح باب ما يسمى بالذكاء الصناعي والنوع الثاني يأخذ طرف الخيط ويبتكر طرقا كثيرة للذكاء الصناعي ويحسن فيها ويستخدمها في شتى مناحي الحياة، هذا النوع الثاني ينشر عادة الكثير من الأبحاث العلمية وأبحاثه تتحول إلى منتجات نستخدمها في حياتنا اليومية (أي تتحول من علم إلى تكنولوجيا).

أرجو من القارئ ألا يفهم من كلامي أن النوع الأول لا يعمل بجد أو أن النوع الثاني أقل ذكاء بل كل نوع منهما يعمل عملا شاقا ويتمتع بالذكاء ولكن بطرق مختلفة كل حسب شخصيته.

وأتمنى أن يبذل كل من يريد أن يدخل معترك الحياة العلمية جهده كي يعرف إلى أي نوع من الباحثين ينتمي ولا يحاول أن يُدخل نفسه في نوع معين من باب "المنظرة" أو للحصول على جوائز! لأنك لو حاولت الانتماء لنوع لا يتناسب مع شخصيتك لن تنجح وبالتالي لن تحصل على أية جوائز وتكون أيضا قد ضيعت فرصتك لإثراء الحياة العلمية لو كنت عملت في ما يناسب شخصيتك.

أما وقد تكلمنا عن العلماء فماذا عن أنواع البحث العلمي؟ عندما تعمل في بحث ما فأنت تحاول الإجابة على سؤال معين أو حل مشكلة معينة، السؤال قد يكون ذي نهاية مفتوحة (open ended) أو لحل مشكلة ملحة، والحل قد يكون مطلوبا في أسرع وقت أو يكون طويل الأمد وهذا يعطينا أربع أنواع من الأبحاث.

النوع الأول هو حل مشكلة ملحة وفي أسرع وقت، مثلا نريد تصميم كمبيوتر يستخدم طاقة أقل بعشر مرات من أفضل كمبيوتر حالي.

النوع الثاني هو حل مشكلة ملحة ولكن طويلة الأمد، مثلا تقليل تكدس السيارات في شوارع القاهرة في وقت الذروة، والحل هنا طويل الأمد لأنه يعتمد على إيجاد حل مبدئي ثم تحسينه تبعا لعدد السيارات في كل سنة أو عدة أشهر ومناطق الذروة في القاهرة، وهي أشياء تتغير فالحل يجب أن يتم تحسينه من آن لآخر.

النوع الثالث هو لمشكلة ذات نهاية مفتوحة ونحتاج الحل في أسرع وقت، هنا نتكلم عن المشكلات الكلاسيكية في العلم مثل كيفية عمل المخ وعلاقته بالعقل (ما نعرفه قليل في المضمار حتى الآن) والحاجة إلى حل سريع مرجعه إننا إذا عرفنا الحل فسنصل إلى علاج الكثير من الأمراض المستعصية وقد نبني أجهزة كمبيوتر أقوى وأفضل بمراحل من الموجود حاليا وهذا يعود بالرفاهية على المجتمع الإنساني ككل، ومن هذا النوع أيضا إيجاد حل لمرض السرطان.

النوع الرابع هو لمشكلة ذات نهاية مفتوحة وطويلة الأمد مثل الانفجار الكبير لبداية الكون وماذا حدث قبله وبعده مباشرة وهل هناك أكوان أخرى، وهذا النوع من الأبحاث يروي عطش الفضول الإنساني والإجابة عن تلك الأسئلة أو محاولة الإجابة عنها قد يفتح الباب لعلوم جديدة.

من كل ما سبق بقي أن نحاول الإجابة عن سؤال مهم: ما الذي تحتاجه مصر في الوقت الحالي؟ مصر تحتاج شيئين: أولا حل المشكلات التي يواجهها الناس بطريقة علمية، وثانيا تحسين صورة مصر العلمية أمام العالم.. بهذا الترتيب، هذا يعني أننا نحتاج كلا النوعين من الباحثين، ولحل المشكلات بطريقة علمية نحتاج النوعين الأول والثاني من الأبحاث، ونحتاج النوع الثالث بمقدار بسيط (يزيد تدريجيا كلما تحسنت الظروف المادية) لتحسين الصورة العلمية، أما النوع الرابع فلا أعتقد أننا نحتاجه في مصر في الوقت الحالي على الأقل، طبعا هذا رأيي الشخصي وقد يحتمل الخطأ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved