نقابة الصحفيين وقانون الإعلام الجديد

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 25 يونيو 2018 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

عند المنعطفات، والأحداث الكبرى، كانت نقابة الصحفيين دائما حاضرة، تعكس رأى منتسبيها فى القضايا التى تمس جوهر مهنتهم، وتدافع عن حق اعضائها فى التعبير عن موقفهم من محاولات النيل من حرية الصحافة خصوصا والإعلام بشكل عام، وكانت النقابة (نقيبا ومجلسا) حتى فى أصعب الظروف التى تكون فيها العلاقة مع السلطة التنفيذية ليست على ما يرام، تنتصر باستمرار لدورها فى الذود عن الحريات.

هكذا كانت النقابة حاضرة فى الدفاع عن كيانها عندما أراد الرئيس الراحل أنور السادات تحويلها إلى «نادى للصحفيين»، أو تجمعا لاصحاب المعاشات، إن لم تتحول إلى مكان لاحتساء الشاى والقهوة وتبادل الأحاديث العابرة، لكن صلابة الجمعية العمومية، ووجود قامات صحفية كبرى من وزن النقيب الراحل الأستاذ كامل زهيرى، أفشل مساعى تكميم الأفواه وقصف الأقلام.

وفى عام 1995 كان الصحفيون ونقابتهم مع محطة كبرى جديدة، هى معركة القانون 93 الذى عرف بقانون «حماية الفساد»، والتى سيظل الصحفيون جيلا وراء جيل يتذكرونها بكل فخر، عندما استطاعت الجمعية العمومية التى وقفت خلف مجلس كان على رأسه النقيب الراحل الأستاذ إبراهيم نافع، افشال قانون أراد واضعوه أن يفرغ حرية التعبير والرأى، التى نصت عليها الدساتير المتعاقبة، من مضمونها.

القانون 93 الذى اقره البرلمان فى 27 مايو 1995، وصادق عليه رئيس الجمهورية فى اليوم نفسه، معركته بدأت باجتماع طارئ لمجلس النقابة فى 29 مايو، حيث دعا المجتمعون إلى جمعية عمومية غير عادية فى 10 يونيو 1995، ليقرر الحاضرون اعتبار الجمعية العمومية فى حال انعقاد دائم استمر لأكثر من عام، وكان الحضور الفاعل للاجيال الصحفية كافة، بالغ الأثر فى اسقاط ذلك القانون الجائر.

فى تلك المعركة، لا يمكن لنا أن ننسى الكلمة التى وجهها الراحل الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل للجمعية العمومية التى قال فيها: «وأشهد آسفا أن وقائع إعداد هذا القانون كانت أقرب إلى أجواء ارتكاب جريمة منها إلى أجواء تشريع عقاب وأنه يعكس أزمة سلطة شاخت فى مواقعها».

ذكريات معركة القانون 93 الشهير، التى شارك فيها جيلى، تداعت إلى ذهنى، وأنا اتابع الحال التى وصلت إليها الجماعة الصحفية من ضعف فى التعامل مع مشروع «قانون تنظيم الصحافة والإعلام» الذى أقره مجلس النواب قبل أيام من حيث المبدأ، وأحاله إلى مجلس الدولة لمراجعته.

فالقانون الجديد وعلى الرغم مما يحفل به من مواد تبدأ بكلمة «يحظر» أكثر من كلمة «يجوز» تجاهل غالبية الصحفيين والكتاب الاشتباك معه، بل إن بعض الأصوات، التى تملأ الدنيا ضجيجا على الفضائيات، أكلت القطة ألسنتهم، وابتلعت الحيتان أقلامهم، فلم نجد نقاشا عاما، ولا تعبيرا بالسلب أو الايجاب عن مواد القانون التى بلغت 127 مادة، يحمل بعضها تكبيلا واضحا لحرية الرأى والتعبير.

مجالس النقابة المتعاقبة تصدت فى مواقف مماثلة لحمل عبء الدفاع عن حق الصحفيين فى العمل فى ظل قوانين تحمى حرية الرأى والتعبير، ليس لأن الصحفى على رأسه ريشة، ولكن لأن تلك الريشة هى التاج الذى منحه المجتمع للصحفيين لينوبوا عنه فى كشف الحقائق، ومنع الانزلاق إلى الطريق الوعرة التى قد تمر بها الأوطان، وأن تكون الصحافة صوتا للصدق، ووسيلة لمعرفة الناس ما يدور حولهم وهو حق دستورى أصيل.

ألا يستحق القانون الجديد لتنظيم الصحافة والإعلام، الذى يحمل للموضوعية بعض النقاط المضيئة، من مجلس نقابة الصحفيين دعوة، لا نقول لجمعية عمومية طارئة، بل على الأقل، إلى اجتماع واسع لرموز العمل النقابى والصحفى لتداول الأمر، والتعبير، فى الحد الأدنى، عن موقف الجماعة الصحفية من هذا القانون؟!

القضية لا يجب أن تقتصر على مناكفات داخل اجتماع لمجلس النقابة، وأن يتحمل المجلس، نقيبا وأعضاء، مسئوليتهم التاريخية فى تحديد موقف النقابة الواضح والصريح مع قانون أحسب أنه فى حاجة إلى تكاتف الجميع دفاعا عن مكاسب تحققت فى السابق وأخرى يجب تحقيقها، لا التفريط فيها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved