من وحى رئاسة مؤتمر علمى

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 25 يونيو 2022 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

منذ عدة أيام انتهى مؤتمر علمى فى تصميم الحاسبات تم عقده لأول مرة فى مدينة نيويورك، يعتبر هذا المؤتمر من أكبر (من حيث قوة أبحاثه وليس حجمه) إن لم يكن الأكبر فى العالم فى هذا التخصص ويعقد سنويا منذ نحو نصف قرن كل سنة فى بلد مختلف، كاتب هذه السطور كان رئيسا للمؤتمر لهذا العام، رئيس هذا المؤتمر يتغير كل عام، أحببت فى هذا المقال أن أشارك القارئ الكريم بعض الخواطر المتعلقة بالمؤتمرات العلمية من منظور شخصى.
أولا: هذا مؤتمر علمى حيث تقدَم فيه الأبحاث العلمية بعد أن يتم تحكيمها، نسبة القبول فى هذا المؤتمر لا تزيد عن 20 بالمائة، وكما ذكرنا فى مقالات سابقة أفضل مكان للنشر العلمى يعتمد على التخصص، فى أغلب المجالات العلمية المجلات العلمية أقوى من المؤتمرات، لكن فى تخصصات الحاسبات المؤتمرات القوية أفضل بمراحل من المجلات العلمية ونرجو من لجان الترقيات فى جامعاتنا أخذ هذه النقطة فى الاعتبار.
ثانيا: رئيس المؤتمر حتى وإن كان من أهم مؤتمرات العالم مثل هذا المؤتمر الذى نتحدث عنه لا يعنى أنه الأكثر علما، وهذه نقطة مهم أن نناقشها، هناك الكثيرون الذين يتباهون برئاسة المؤتمرات العلمية، رئيس المؤتمر عادة شخص خبير فى التخصص الدقيق لهذا المؤتمر وأيضا يعيش بالقرب أو فى المكان الذى سيعقد فيه المؤتمر، لذلك مهم أن نزيل هذه الهالة حول رؤساء المؤتمرات العلمية، وهذا يشبه المقولة الشهيرة عندنا عندما نريد أن نصف شخصا بالعلم فنقول إنه «أستاذ ورئيس قسم» مع أن رئاسة القسم منصب إدارى لا يعنى بالمرة أن صاحبه أكثر الناس علما فى القسم، بل إن هناك جامعات عريقة ومتقدمة جدا فى تخصصات كثيرة يهرب الأساتذة فيها من هذا المنصب ليتفرغوا للبحث العلمى حتى أن إدارة بعض الجامعات أصبحت تجبرهم على القبول.
ثالثا: قوة المؤتمر من قوة تحكيم الأبحاث وهى مسئولية رئيس لجنة التحكيم وليس رئيس المؤتمر، كلما كان التحكيم قويا ومن عدد كبير من المحكمين كل منهم لا يطلع على أسماء الباحثين ولا الباحثون يعرفون محكمى أبحاثهم كلما كان المؤتمر قويا، عادة فى المؤتمرات القوية يحكم البحث من أربعة إلى ستة محكمين.
النقطة الرابعة وقد تكون مفاجئة للبعض أن أهم شىء فى المؤتمرات ليس هو حضور الجلسات العلمية التى يقدم فيها الباحثون أوراقهم البحثية ويجيبون عن أسئلة الجمهور، هذه تأتى فى الدرجة الثانية من الأهمية وعادة يذهب كل شخص لحضور العدد القليل من الأبحاث التى تهمه، فمثلا فى مؤتمرنا هذا هناك ما يزيد عن ستين بحثا وغالبا كل باحث يهتم بعدد قليل من الأبحاث، وفى الغالب أيضا يحصل الباحث على تلك الأبحاث قبل المؤتمر وقد يكون قد تواصل مع المؤلفين لمناقشتهم، أهم شىء هو الحديث خارج قاعات المناقشة أثناء الوجبات أو الاستراحات أو حتى أثناء انعقاد الجلسات، يتحدث الباحثون فى تلك الأوقات عن أفكارهم وأبحاثهم وقد يخرج من ذلك الحديث تعاون جديد بين باحثين فى جامعات أو مراكز بحثية مختلفة أو فكرة جديدة إلخ.
النقطة الخامسة هى أنه نظرا لصعوبة الحصول على فيزا لبعض الدول خاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى ونظرا لوباء الكورونا فإن هناك العديد من الباحثين لم يتمكنوا من الحضور مما جعلنا نجعل حضور المؤتمر يمكن أن يتم بالحضور الفعلى أو الافتراضى وهذا ليس سهلا خاصة لو أخذنا النقطة الرابعة أعلاه فى الاعتبار. أغلب المؤتمرات قد تتبنى هذا الشكل حتى بعد انتهاء الوباء لأن مشاكل الحصول على الفيزا ستظل قائمة وأيضا تكاليف السفر، لذلك أتوقع ظهور شركات كثيرة تقدم خدمات الحضور الافتراضى بطريقة تقترب من الحضور الفعلى، لم نصل إلى هذا بعد لكن الحاجة تولد الاختراع.
النقطة السادسة أن أهم الأشخاص فى هذا المؤتمر هم الطلبة لأنهم المستقبل، فكما نساعدهم فى الجامعة عن طريق التدريس والبحث العلمى يجب أن نساعدهم فى المؤتمرات عن طريق تعريفهم بالباحثين الآخرين وتدريبهم على كيفية تقديم البحث العلمى للجمهور وكيفية الإجابة عن الأسئلة، كما أن من هؤلاء الطلبة من يتطوع فى المؤتمر للمساعدة فى التنظيم، وقد كانت كلمتى الختامية فى هذا المؤتمر هى شكر هؤلاء الطلبة لأنهم أهم عامل لنجاح المؤتمرات العلمية. من المهم أن نذكر أننا كما نعلم الطلاب فإننا أيضا نتعلم منهم.
رئاسة مؤتمر بهذا الحجم كان مسئولية كبيرة ولا أخفى على القارئ توترى فى بعض اللحظات لكن التجربة ولا شك مفيدة وقد أكتب عنها بالتفصيل لاحقا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved